يتوبوا ، يتنزل منزلة الشفاعة لِمن قتلَ ولدَ الغير ، وترصّد للآخر حتى يقتله ، فكما أنّ ذلك يقبح ، فكذلك هاهنا. (١)
والذي دفع القاضي إلى تصوير الشفاعة في حقّ المذنب بما جاء في المثال ، هو اعتقاده الراسخ بالأصل الكلامي الذي يعدّ أصلاً من أُصول منهج الاعتزال ( خلود العاصي ـ إذا مات بلا توبة في النار ) وفي الوقت نفسه يعرب عن غفلته عن شروط الشفاعة ، فإنّ بعض الذنوب الكبيرة تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه كما تقطع الأواصر الروحية بالشفيع ، فأمثال هؤلاء ـ العصاة ـ محرومون من الشفاعة ، وقد وردت في الروايات الإسلامية شروط الشفاعة وحرمان طوائف منها.
ولو افترضنا صحة ما ذكره من التمثيل فحكمه بحرمان العصاة من الشفاعة اجتهاد في مقابل نصوص الآيات وإخضاع لها لمدرسته الفكرية.
يقول الزمخشري في تفسير قوله سبحانه : ( أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ) (٢) : ( وَلَا خُلَّةٌ ) حتى يسامحكم أخلّاؤكم به ، وإن أردتم أن يحطّ عنكم ما في ذمّتكم من الواجب لم تجدوا شفيعاً يشفع لكم في حط الواجبات ، لأنّ الشفاعة ثمّة في زيادة الفضل لا غير. (٣)
يلاحظ عليه : أنّ الآية بصدد نفي الشفاعة بالمعنى الدارج بين اليهود والوثنيين لأجل أنّـهم كفّار ، وانقطاع صلتهم عن الله سبحانه ، وبالتالي إثباتها في حقّ غيرهم بإذنه سبحانه ويقول في الآية التالية : ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) ، وأمّا أنّ حقيقة الشفاعة زيادة الفضل لا حطّ الذنوب فهو تحميل
______________________
١. شرح الأُصول الخمسة : ٦٨٨. |
٢. البقرة : ٢٥٤. |
٣. الكشاف : ١ / ٢٩١ في تفسير الآية رقم ٢٥٤ من سورة البقرة.