أما حقيقة الدعوة الإسلامية وأهدافها السامية ، فلم يكن أحد من رجال الدين عارفا بها ، أو مهتما بنشرها.
والحياة الاجتماعية كانت كذلك مفقودة ، إذ لم يعرف الناس أي نوع من أنواع الاجتماع إلا في الولائم وصلاة الجمعة ، والسهرات التي كان يسميها أهل الشام (الدّور). فلا ندوات ثقافية ، ولا جمعيات إصلاحية ، وحتى ولا جمعيات خيرية. والمرأة التي هي نصف المجتمع غائبة ، فليس لها في خدمته إلا نصيب قعيد البيت.
في هذا الجو الخانق العجيب ، المتخلف في جميع مرافق الحياة ، نشأ القاسمي. فكان كالطائر المغني في غير سربه ، غريبا عن أهل الزمان ، ولعل هذا كله كان أدعى لإقدامه ، والقناعة برسالته ، وضرورة العمل لها ، والسعي لنشرها ، لا يبالي في ذلك تكفيرا ، ولا محاكمة ؛ ولا حبسا.
فثبت لهذه المحن كلها ، وأكثر منها ، كالطود الراسخ ، لا يزعزع يقينه وعيد ، ولا تهديد ، ولا تكفير ، ولا حبس. لا تزيده الأيام إلا قوة وعزيمة.
٢ ـ نسبه وولادته :
نسبه :
حقق القاسمي نسبه في كتابه المطبوع المعروف «شرف الأسباط». وذكر في ترجمته نفسه أنه «محمد جمال الدين أبو الفرج بن محمد سعيد بن قاسم بن صالح ابن إسماعيل بن أبي بكر المعروف بالقاسمي ، نسبة إلى جده المذكور وهو الإمام ، فقيه الشام ، وصالحها في عصرها ، الشيخ قاسم ؛ المعروف بالحلاق. وكان أبوه (محمد سعيد) رحمهالله فقيها أديبا ، غلب عليه شعر أهل عصره. اشتغل أول حياته بالتجارة ، فكان له في العصرونية متجر معروف ، ثم اعتزل التجارة لأسباب لا أعرفها. وقد جمع شعره في ديوان سماه ولده جمال الدين «الطالع السعيد في ديوان الإمام الوالد السعيد» وأمه عائشة بنت أحمد جبينة ، وجدته لأبيه فاطمة بنت محمد الدسوقي.
٣ ـ ولادته :
في زقاق المكتبي ، ظاهر باب الجابية وبالقرب من قصر الحجاج في محلة القنوات ، كان مسكن والد القاسمي في دار واسعة الفناء ، متعددة الغرف. في وسطها