سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) [سبأ : ٤٠ ـ ٤١]. وفي قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ) [المائدة : ١١٦] الآية. وقوله تعالى : (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) [آل عمران : ٨٠] الآية. وفي قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ١٩ ـ ٢٠]. وحديث (١) أبي واقد الليثيّ قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون عندها ، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها «ذات أنواط» فمررنا بسدرة فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الله أكبر ، إنها السنن ، قلتم ـ والذي نفسي بيده ـ كما قالت بنو إسرائيل لموسى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) ـ إلى قوله : (وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) [الأعراف : ١٣٨ ـ ١٤٠] رواه الترمذيّ وصححه.
وأما عبادتهم للأحبار والرهبان ففي قوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) [التوبة : ٣١] ، فروى الإمام أحمد والترمذي (٢) عن عديّ بن حاتم أنه سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يقرأ هذه الآية (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) الآية ، فقلت له : إنا لسنا نعبدهم ، قال : «أليس يحرّمون ما أحلّ الله فتحرّمون ، ويحلّون ما حرّم الله فتحلّونه؟» فقلت : بلى قال : «فتلك عبادتهم».
فالعبادة أنواع وأصناف ، ولا يتم الإيمان إلّا بتوحيدها كلها لله سبحانه. وقد بينت السنة أن الدعاء هو العبادة. أي ركنها المهم الأعظم. وأصله من التنزيل الكريم قوله تعالى : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي)
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : الفتن ، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم. وهذا نصه : عن أبي واقد الليثيّ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما خرج إلى خيبر مر بشجرة للمشركين يقال لها ذات أنواط ، يعلقون عليها أسلحتهم. فقالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «سبحان الله! هذا كما قال قوم موسى : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ). والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم».
(٢) أخرج الترمذيّ في : التفسير ، سورة التوبة ، حدثنا الحسين بن مرثد. عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي صلىاللهعليهوسلم وفي عنقي صليب من ذهب. فقال : «يا عدي ، اطرح عنك هذا الوثن». وسمعته يقرأ في سورة براءة : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) ، قال : «أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم. ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه ، وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه».