البشارة بالإنذار. وهذا معنى تسمية القرآن مثاني ـ على الأصح ـ وهو أن يذكر الإيمان ويتبع بذكر الكفر ـ أو عكسه ـ أو حال السعداء ثم الأشقياء ـ أو عكسه ـ وحاصله ذكر الشيء ومقابله. والحكمة في ذلك : هي إرادة التنشيط لاكتساب ما يزلف ، والتثبيط عن اقتراف ما يتلف. فلما ذكر الكفار وأعمالهم ، وأوعدهم بالعقاب ، قفّاه ببشارة عباده الذين جمعوا بين التصديق والأعمال الصالحة من فعل الطاعات وترك المعاصي ـ فقال عزوجل :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً
وَلَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيها خالِدُونَ)(٢٥)
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (البشارة) : الإخبار بما يظهر سرور المخبر به. ومنه البشرة : لظاهر الجلد. وتباشير الصبح ما ظهر من أوائل ضوئه. وأمّا (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) فمن العكس في الكلام الذي يقصد به الاستهزاء ـ الزائد في غيظ المستهزأ به ، وتألّمه ، واغتمامه ـ ففيه استعارة أحد الضدّين للآخر تهكّما وسخرية. و (الصَّالِحاتِ) ما استقام من الأعمال أي صلح لترتب الثواب عليه. وقد أجمع السلف على أنّ الإيمان : قول وعمل ، يزيد وينقص. ثم إنه إذا أطلق دخلت فيه الأعمال ، لقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم :
«الإيمان بضع وستون شعبة ـ أو بضع وسبعون شعبة ـ أعلاها قول : لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان» (١).
وإذا عطف عليه ـ كما في هذه الآية ـ فهنا ، قد يقال : الأعمال دخلت فيه ، وعطفت عطف الخاص على العام. وقد يقال : لم تدخل فيه ، ولكن مع العطف ـ كما في اسم الفقير والمسكين. إذا أفرد أحدهما تناول الآخر ، وإذا عطف أحدهما
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في : المقدمة ، باب في الإيمان ، حديث ٥٧ ونصه : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «الإيمان بضع وستون أو سبعون بابا. أدناها إماطة الأذى عن الطريق. وأرفعها قول : لا إله إلا الله. والحياء شعبة من الإيمان».