أحدهما من جهة دالة العلم ، والآخر من جهة دالة الاحتكام والسلطنة ، وذلك يرجع الى الرياء وطلب الجاه ، وهو الشهوة الخفية الداعية الى الشرك الخفي».
ثم تأتي مرحلة التخويف بعد مرحلة التعريف ، فاذا أفهم الناصح من بخطىء خطأه وعرّفه انحرافه ، ولم يرتدع المخطئ ، فان الناصح ينتقل الى تحذيره وتخويفه ، بقدر ما يصلح معه ذلك ، ثم تأتي مرحلة التهديد والوعيد ، ثم تأتي مرحلة تغيير المنكر باليد ان كان ذلك في قدرته وطاقته واختصاصه ، ولم يؤد التغيير الى شر مماثل لشر الخطأ الواقع ، أو الى شر أكبر منه.
وهنا نتذكر الحديث النبوي القائل : «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الايمان». وقد قال بعض العلماء ان التغيير للمنكر باليد هو وظيفة الحكام وأهل السلطة التي تقدر على التغيير المصلح ، وان الانكار باللسان هو وظيفة أهل العلم والموعظة ، وان الانكار بالقلب هو واجب المسلم الذي لا قدرة له على التغيير ولا قدرة له على النصح والوعظ ..
ولقد ذكر الامام محمد عبده ان الناس يخلطون بين «النهي عن المنكر» و «تغيير المنكر» ، وهذا شيء آخر غير النهي البتة ، ثم قال : «فان النهي عن الشيء انما يكون قبل فعله ، والا كان رفعا للواقع ، أو تحصيلا للحاصل. فاذا رأيت شخصا يغش السمن مثلا ، وجب عليك تغيير ذلك ، ومنعه منه بالفعل ان استطعت ، فالقدرة والاستطاعة هنا مشروطة بالنص ، فان لم تقدر على ذلك وجب عليك التغيير باللسان ، وهو غير خاص بنهي الغاش ووعظه ، بل يدخل فيه رفع أمره الى الحاكم الذي يمنعه بقدرة فوق قدرتك.
وللنهي طرق كثيرة وأساليب متعددة ، ولكل مقام مقال».