الخشية هي الخوف في محل الأمل ، ولقد تحدثت عن الفرق بينهما في كتابي «أخلاق القرآن» فقلت هذه العبارة : «واذا واصلنا قراءتنا في كتب السلف فيما يتصل بالخوف وجدنا جملة ألفاظ متقاربة ، وان لم تكن مترادفة ، ومنها : الخوف ، والخشية ، والرهبة ، والوجل ، والهيبة. وقد قالوا في التفرقة الدقيقة بينها : ان الخوف هرب من حلول المكروه عند استشعاره ، وهو لعامة المؤمنين ، وصاحبه يلتجىء الى الهرب والامساك. والخشية أخص من الخوف ، وهي للعلماء العارفين بالله ، المشار اليهم بقوله تعالى : «إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ». وصاحب الخشية يلتجىء الى الاعتصام بالله ، وعلى قدر العلم تكون الخشية ، ولذلك قال سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام : «اني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية» (١).
وقد فرقوا بين الخوف والخشية ، فقالوا ان الخوف خشية سببها ذلّ الخاشي ، وان الخشية خوف سببه عظمة المخشيّ ، ولذلك كان العلماء بالله أكثر خشية ، لأنهم عرفوا عظمة الله فخافوه ، لا لذل منهم ، بل لعظمة جانب الله. والعبد اذا نظر الى نفسه وجدها في غاية الضعف ، فيشعر بالخوف ، واذا نظر الى حضرة الله تعالى رآها في غاية العظمة فيشعر بالخشية ، ودرجة الخشية فوق درجة الخوف ، وان قربت منها واتصلت بها».
والخشية فضيلة أخلاقية من الفضائل التي تحدث عنها القرآن الكريم في كثير من الآيات ، ورفع شأنها ، ونوه بأصحابها ، ونلاحظ أن أغلب الآيات التي تحدثت عن خلق الخشية ، تذكر الخشية متعلقة بثلاثة أسماء من أسماء الله الحسنى ، هي : الله ، والرب ، والرحمن. فنجد في القرآن
__________________
(١) كتاب أخلاق القرآن ، الجزء الاول ، ص ١٦٠.