بالانتقام لنفسه ، وحث الناس على ما فيه نجاتهم بالهداية الى ربه ، وأصلح بين الناس بصدقه في حاله ، فان لسان فعله أبلغ في الوعظ من لسان نطقه ، فهو الصدّيق في وقت.
ومن لم يؤدب نفسه لم يتأدب به غيره ، وكذلك من لم يهذب حاله لم يتهذب به غيره. ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله : غير سائل به مالا ، أو حائز لنفسه به حالا ، فعن قريب يبلغ رتبة الامامة في طريق الله ، وهذا هو الاجر الموعود في هذه الآية».
ولا عجب في ذلك ، فان الانسان بعمله وتصرفه حينئذ يكون صالحا مصلحا ، وهذا هو طريق الكمال.
ومن مواطن الصلاح والاصلاح المهمة ما يشير اليه قوله تعالى في سورة البقرة :
«وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ ، وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ»(١).
واصلاح أحوالهم بتأديبهم قد يكون أهم من الاصلاح المتعلق بأموالهم.
وثمة ملاحظة نشاهدها في الاسلوب القرآني ، فنحن نجده في كثير من المواطن يجمع بين ذكر التوبة وذكر الاصلاح ، ويأتي ذكر التوبة أولا ، وكأن هذه اشارة ـ والله أعلم بمراده ـ الى أن الانسان الصالح يبدأ أولا بالتوبة للتطهر والتنظف ، وهذه مرحلة نستطيع ان نسميها مرحلة «التخلية» أي التخلص من الرواسب والآثام ، وتأتي مرحلة نستطيع أن نسميها مرحلة
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية ٢٢٠.