ثم انك تعلم أن هذه الخواطر حادثة ، ثم ان كل حادث لا بد له من محدث ، ومهما اختلفت الحوادث دل ذلك على اختلاف الاسباب».
ويرى الامام أن القلوب في الثبات على الخير والشر ، والتردد بينهما ثلاثة أقسام :
قلب عمر بالتقوى ، وزكا بالرياضة ، وطهر عن خبائث الاخلاق ، تتحرك فيه خواطر الخير من خزائن الغيب وفضل الرب ، فينصرف عقل الانسان الى التفكير فيما خطر له ، فيعرف دقائق الخير ، ويطلع على أسرار فوائده ، فيدرك أنه لا بد من فعله ، فيستحثه عليه ، ويدعوه الى العمل به.
فعند ذلك يكون المدد من جنود لا ترى ، ويهديه الى خيرات أخرى ، ولا يتناهى امداده بالترغيب في الخير ، وتيسير الامر عليه ، ويشير الى ذلك قول القرآن في سورة الليل :
«فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى»(١).
ومثل هذا القلب لا يروج عنده شيء من مكائد الشيطان ، بل يعرض عن الشيطان كلما حاول التغرير به ، ويصبح القلب عامرا بالفضائل ، وهو القلب المطمئن المراد في قوله تعالى :
«الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ، أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»(٢).
والقلب الثاني قلب مشحون بالهوى ، المدنس بالاخلاق المذمومة ،
__________________
(١) سورة الليل ، الآيات ٥ ـ ٧.
(٢) سورة الرعد ، الآية ٢٨.