الذي انفتحت فيه أبواب الشياطين ، وحيل بينه وبين أبواب الملائكة ، فثارت فيه خواطر الهوى ، فاستجاب الصدر لهذه الخواطر ، فيقوى سلطان الشيطان ، ويقبل الانسان على متابعته ، فيضعف سلطان الايمان ، ويخبو نور اليقين ، اذ يتصاعد عن الهوى دخان مظلم يملأ جوانب القلب ، حتى تنطفىء أنواره ، وهكذا تفعل غلبة الشهوة بالقلب ، والى هذا يشير القرآن بقوله في سورة الفرقان :
«أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ، أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ، إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً»(١).
والقلب الثالث قلب تبدو فيه خواطر الهوى فتدعوه الى الشر ، فيدركه خاطر الايمان فيدعوه الى الخير ، فتنبعث النفس بشهوتها الى نصرة خاطر الشر ، فتقوى الشهوة ، فينبعث العقل الى خاطر الخير ، ويقاوم الشهوة ، فتميل النفس الى نصح العقل ، فيحمل الشيطان حملة على العقل ، فيقوى داعي الهوى ، ويزيّن للانسان الاثم ، فتميل النفس الى الشيطان ، فيحمل الملك حملة على الشيطان ، فتميل النفس الى جانب الخير ، فلا يزال الانسان يتردد بين الجانبين ، الى أن يغلب على القلب ما هو أولى به.
* * *
ولأطباء الارواح والقلوب جولتهم وصولتهم في عالم الحديث عن سلامة القلب وصلاحه ، فهذا أبو الخير الأقطع يقول مثلا «لن يصفو قلبك الا بتصحيح النية لله تعالى ، ولن يصفو بدنك الا بخدمة أولياء الله تعالى». ويقول الجنيد : «ان الله تعالى يخلص الى القلوب من بره ، حسب ما
__________________
(١) سورة الفرقان ، الآية ٤٣ و ٤٤.