والوهن ، فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها ، لقلة ما يصحبكم منها. رحم الله امرأ تفكر فاعتبر ، واعتبر فأبصر ، فكأن ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن ، وكأن ما هو كائن من الآخرة عما قليل لم يزل ، وكل معدود منقض ، وكل متوقع آت ، وكل آت قريب دان».
وفي موضع ثالث يقول : «أيها الغافلون غير المغفول عنهم ، والتاركون المأخوذ منهم ، مالي أراكم عن الله ذاهبين ، والى غيره راغبين ، كأنكم نعم أراح بها سائم الى مرعى وبيّ ومشرب دويّ (وبيل) ، انما هي كالمعلوفة للمدى (السكاكين) لا تعرف ماذا يراد بها ، اذا أحسن اليها تحسب يومها دهرها ، وشبعها أمرها».
وفي موطن آخر يقول : «أيها الناس ، انما الدنيا دار مجاز ، والآخرة دار قرار ، فخذوا من ممركم لمقركم ، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم ، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم ، من قبل أن تخرج منها أبدانكم ، ففيها اختبرتم ، ولغيرها خلقتم ، ان المرء اذا هلك قال الناس ما ترك؟. وقالت الملائكة : ما قدّم؟. فقدموا بعضا يكن لكم ، ولا تخلفوا كلا فيكون عليكم».
نسأل الله تباركت آلاؤه وعمت نعماؤه ، أن يجعلنا من الذين يفرون اليه رجاء رضوانه ، يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم.