ما في الطبيعة من الكمال من القوة الى الفعل ، فالله سبحانه قد هيأ الانسان ، لقبول الكمال ، بما أعطاه من الاهلية والاستعداد ، وجعل هذا فيه كامنا كالنار في الزناد ، فألهمه ومكنه ، وعرفه وأرشده ، وأرسل اليه رسله ، وأنزل اليه كتبه ، لاستخراج تلك القوة التي أهله بها لكماله الى الفعل ، كما قال سبحانه في سورة الشمس :
«وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها ، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها ، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها» (١).
فعبر عن خلق النفس بالتسوية والدلالة على الاعتدال والتمام ، ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى ، وان ذلك نألها منه امتحانا واختبارا ، ثم خص بالفلاح من زكاها فنماها وعلاها ، ورفعها بآدابه التي أدب بها رسله وأنبياءه وأولياءه ، وهي التقوى. ثم حكم بالشقاء على من دسّاها ، فأخفاها وحقرها ، وصغرها وقمعها بالفجور.
وقد ذكر عبد الله بن المبارك المراد من معنى الادب في هذا المجال الاخلاقي فقال : قد أكثر الناس القول في الادب ، ونحن نقول انه معرفة النفس ورعوناتها ، وتجنب تلك الرعونات. وقال سهل بن عبد الله : من قهر نفسه بالادب فهو يعبد الله بالاخلاص.
وقد عنيت السنة المطهرة بفضيلة الادب ، فروى الترمذي : «ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن» وروى ابن ماجه : «أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم». وربطت السنة بين الادب والقرآن فروى الدارمي : «أدب الله القرآن». ويجعل بعض السلف مراتب الناس في الادب على ثلاث طبقات : أما اهل الدنيا فأكبر آدابهم في الفصاحة والبلاغة ، وحفظ
__________________
(١) سورة الشمس ، الآية ٧ ـ ١٠.