(وجاء في التوراة تسميته بجليات. على ما سنذكره) (قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ) ، أي يعلمون (أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ) يرجعون إليه بعد الموت (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٢٥٠)
(وَلَمَّا بَرَزُوا) ظهروا (لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ) إذ دنوا منه (قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) ، أي أفضه علينا وأكرمنا به لقتالهم فلا نجزع للجراحات ، وإنما طلبوه أولا لأنه ملاك الأمر (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا) في ميدان الحرب فلا نهرب منه (وَانْصُرْنا) لأنا مؤمنون بك (عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) بك. وهم جالوت وجنوده ، وهذه الآية تدل على أن من حزبه أمر فإنه ينبغي له سؤال المعونة من الله ، والتوفيق ، والانقطاع إليه تعالى.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢٥١)
(فَهَزَمُوهُمْ) ، أي هؤلاء القليلون ، أولئك الكثيرين (بِإِذْنِ اللهِ) بنصره إذ شجع القليلين وجبّن الكثيرين (وَقَتَلَ داوُدُ) وكان في جيش طالوت (جالُوتَ) الذي هو رأس الأقوياء (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ) أي أعطى الله داود ملك بني إسرائيل (وَالْحِكْمَةَ) ، أي الفهم والنبوة (وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) من صنعة الدروع وغيرها (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ) من أهل الشر (بِبَعْضٍ) من أهل الخير (لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) ، أي بغلبة الكفار وظهور الشرك والمعاصي كما قال تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً) [الحج : ٤٠] الآية.
(وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) ، أي منّ عليهم بالدفع. ولذلك قوّى سبحانه هؤلاء الضعفاء وأعطى بعضهم الملك والحكمة ومن سائر العلوم ، ليدفع فساد الأقوياء بالسيف.