والشراب لاحتياج كل واحد منهما إلى الآخر ، فكانا بمنزلة شيء واحد. فلذلك أفرد الضمير في الفعل. ويحتمل أن يكون جعل الضمير ل (ذلك). و (ذلك) يكنى به عن الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد. ويحتمل أن يكون الضمير للشراب فقط لأنه أقرب. وثمّ جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها. والتقدير : وانظر إلى طعامك لم يتسنه. وإلى شرابك لم يتسنه. ويجوز أن يكون أفرد في موضع التثنية كما قال الشاعر :
فكأنّ في العينين حبّ قرنفل |
|
أو سنبلا كحلت به فانهلّت |
أشار لذلك أبو البقاء (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) كيف هو. فرآه صار عظاما نخرة (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) عطف على مقدر متعلق بفعل مقدر قبله بطريق الاستئناف مقرر لمضمون ما سبق. أي فعلنا ما فعلنا ، من إحيائك بعد ما ذكر ، لتعاين ما استبعدته من الإحياء بعد دهر طويل. ولنجعلك آية للناس على البعث. أو متعلق بفعل مقدر بعده. أي : ولنجعلك آية للناس فعلنا ما فعلنا (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) أي عظام الحمار لتشاهد كيفية الإحياء (كَيْفَ نُنْشِزُها) قرئ بالزاي أي نرفع بعضها على بعض ونركبه عليه. من (النشز) وهو المرتفع من الأرض وفيها على هذا وجهان : ضم النون وكسر الشين من (أنشزته) وفتح النون وضم الشين من (نشزته) وهما لغتان. وقرئ بالراء وفيها وجهان : الأول فتح النون وضم الشين وماضيه (نشر) فيكون إما مطاوع أنشر الله الميت فنشر ، وحينئذ نشر بمعنى أنشر. فاللازم والمتعدي بلفظ واحد. وإما من النشر الذي هو ضد الطيّ أي يبسطها بالإحياء. والثاني ضم النون وكسر الشين أي نحييها كقوله : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) [عبس : ٢٢]. قاله أبو البقاء. (ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً) أي نسترها به (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) أي اتضح له إعادته مع طعامه وشرابه وحماره ، بعد التلف الكليّ ، وظهر له كيفية الإحياء (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فخرج من الظلمات إلى النور.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٢٦٠)