قال الزمخشريّ : وقرأ ابن عباس رضي الله عنه فصرّهن بضم الصاد وكسرها وتشديد الراء من : صرّه يصرّه ويصرّه إذا جمعه ، وعنه : فصرّهن (من التصرية) وهي الجمع أيضا : وقال اللحيانيّ قال بعضهم : معنى صرهن وجّههنّ. ومعنى صرهن قطعهن وشققهن. والمعروف أنهما لغتان بمعنى واحد. وكلهم فسروا فصرهن أملهن. ، والكسر فسّر بمعنى قطعهن. وقال الفيروزآبادي في (البصائر) : قال بعضهم : صرهن بضم الصاد وتشديد الراء وفتحها من الصرّ أي الشد. قال وقرئ فصرهن بكسر الصاد وفتح الراء المشددة (من الصرير) أي الصوت أي صح بهن. وقال أبو البقاء : ويقرأ بضم الصاد وتشديد الراء ثم منهم من يضمها اتباعا ومنهم من يفتحها تخفيفا ومنهم من يكسرها على أصل التقاء الساكنين.
أقول : قد تقرر في العربية أن المضاعف إذا لحقته هاء الضمير يلزم وجه واحد في المؤنث وهو فتح ما قبلها نحو ردّها مراعاة للألف اتفاقا ، وفي المذكر ثلاثة أوجه : أفصحها الضم ويليه الكسر وهو ضعيف ، ويليه الفتح وهو أضعفها. وممن ذكره ثعلب في (الفصيح) لكن غلطوه لكونه أوهم فصاحته ولم ينبه على ضعفه (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) أي ثم اذبحهن وجزئهن وضع على كل جبل منهن بعضا (ثُمَّ ادْعُهُنَ) أي : بأسمائهن (يَأْتِينَكَ سَعْياً) أي مسرعات (وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما معنى أمره بضمها إلى نفسه بعد أن يأخذها؟ قلت : ليتأملها ويعرف أشكالها وهيآتها وحلاها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء ولا يتوهم أنها غير تلك. ولذلك قال : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) أي ولم يقل طيرانا لأنه إذا كانت ساعية كانت أثبت لنظره عليها من أن تكون طائرة. والله أعلم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (٢٦١)
(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي في طاعته (كَمَثَلِ حَبَّةٍ) أي مثل نفقتهم كمثل حبة ، أو مثلهم كمثل باذر حبة. فالحذف إما من جانب المشبه أو المشبه به لتحصيل المناسبة ، أي وتلك الحبة ألقيت في الأرض ثم (أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ) أي : أنبتت ساقا انشعب سبع شعب ، خرج من كل