مَنًّا) وهو ذكره لمن أنفق عليه ليريه أنه أوجب بذلك عليه حقا (وَلا أَذىً) وهو ذكره لغيره فيؤذيه بذلك أو التطاول عليه بسببه (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الموعود به قبل (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) أي فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ). على فائت من زهرة الدنيا ، لصيرورتهم إلى ما هو خير من ذلك.
لطائف :
الأولى : قال الزمخشريّ معنى (ثم) إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى وفي حواشيه للناصر ما نصّه : (ثم) في أصل وضعها تشعر بتراخي المعطوف بها عن المعطوف عليه في الزمان وبعد ما بينهما ، والزمخشريّ يحملها على التفاوت في المراتب والتباعد بينهما. حيث لا يمكنه حملها على التراخي في الزمان لسياق يأبى ذلك. كهذه الآية. وحاصلة أنها استعيرت من تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة. وعندي فيها وجه آخر محتمل في هذه الآية ونحوها. وهو الدلالة على دوام الفعل المعطوف بها وإرخاء الطول في استصحابه. فهي على هذا لم تخرج عن الإشعار ببعد الزمن. ولكن معناها الأصليّ تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه. ومعناها المستعارة إليه دوام وجود الفعل وتراخي زمن بقائه. وعليه حمل قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَقامُوا) [فصلت : ٣٠] ، أي داموا على الاستقامة دواما متراخيا ممتد الأمد. وتلك الاستقامة هي المعتبرة ، لا ما هو منقطع إلى ضده من الحيد إلى الهوى والشهوات ، وكذلك قوله : (ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً) أي يدومون على تناسي الإحسان وعلى ترك الاعتداد به والامتنان ، ليسوا بتاركيه في أزمنة إلى الأذية وتقليد المنن بسببه ، ثم يتوبون. والله أعلم. وقريب من هذا أو مثله ، أن السين يصحب الفعل لتنفيس زمان وقوعه وتراخيه. ثم ورد قوله تعالى حكاية عن الخليل عليهالسلام : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات : ٩٩]. وقد حكى الله تعالى في مثل هذه الآية : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) [الشعراء : ٧٨]. فليس إلى حمل السين على تراخي زمان وقوع الهداية له من سبيل. فيتعين المصير إلى حملها على الدلالة على تنفس دوام الهداية الحاصلة له وتراخي بقائها وتمادي أمدها. انتهى.
الثانية : قال الزمخشريّ : (فإن قلت) أي فرق بين قوله : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ) وقوله فيما بعد : (فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ)؟ (قلت) الموصول لم يضمن هاهنا معنى الشرط ، وضمنه ثمّه. والفرق بينهما من جهة المعنى أن الفاء فيها دلالة على أن الإنفاق به