يرفع التهمة ويدعو له كل من يسمع من محتاج وغيره ويفيد اتباع الناس إياه (وَإِنْ تُخْفُوها) أي تسرّوها مخافة الرياء ، وسترا لعار الفقراء (وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي من العلانية. لأنه أبعد عن الرياء وأقرب إلى الإخلاص الذي هو روح العبادات (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) ذنوبكم بقدر صدقاتكم (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ترغيب في الإسرار. وفي الصحيحين (١) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : الإمام العادل. وشاب نشأ في عبادة ربه. ورجل قلبه معلق في المساجد. ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين. ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه». وروى الإمام أحمد (٢) وابن أبي حاتم عن أبي ذر قال : «قلت يا رسول الله أيّ الصدقة أفضل؟ قال : سرّ إلى فقير ، أو جهد من مقلّ».
لطائف :
قال : أبو البقاء في قوله تعالى (فنعما هي) : نعم فعل جامد لا يكون فيه مستقبل. وأصله نعم كعلم. وقد جاء على ذلك في الشعر. إلا أنهم سكّنوا العين ونقلوا حركتها إلى النون ليكون دليلا على الأصل. ومنهم من يترك النون مفتوحة على الأصل. ومنهم من يكسر النون والعين اتّباعا. وبكلّ قد قرئ. وفاعل (نعم) مضمر و (ما) بمعنى شيء. ثم قال : (ونكفر عنكم) يقرأ بالنون على إسناد الفعل إلى الله عزوجل ويقرأ بالياء على هذا التقدير أيضا وعلى تقدير آخر وهو أن يكون الفاعل ضمير الإخفاء. ويقرأ (وتكفر) بالتاء على أن الفعل مسند إلى ضمير الصدقة. ويقرأ بجزم الراء عطفا على موضع (فَهُوَ خَيْرٌ) وبالرفع على إضمار مبتدأ أي ونحن أو وهي. و (من) هنا زائدة عند الأخفش فيكون (سيئاتكم) المفعول. وعن سيبويه المفعول محذوف أي شيئا من سيئاتكم. والسيئة فيعلة. وعينها واو لأنها من ساء يسوء فأصلها سيوئة فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها. انتهى.
وفي (غيث النفع) : قرأ (فنعما) الشامي. والإخوان بفتح النون. والباقون بالكسر. وقرأ قالون والبصريّ وشعبة بإسكان العين واختار كثير لهم إخفاء كسرة العين يريدون الاختلاس فرارا من الجمع بين الساكنين ، والباقون بكسر العين ، واتفقوا على تشديد الميم. ثم ناقش الشاطبيّ في كونه لم يذكر لقالون ومن عطف
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الأذان ، ٣٦ ـ باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في مسنده بالصفحة ١٧٨ من ج ٥.