فضل الفقر على الغنى وعرف خطر الأغنياء لما استحقر الفقير بل تبرك به وتمنى درجته ، فصلحاء الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام.
وقد أطال الغزاليّ رحمهالله من هذا النفس العالي. فليراجع.
فصل
في هديه صلىاللهعليهوسلم في الزكاة والصدقة
قال شمس الدين ابن القيّم الدمشقيّ في (زاد المعاد) : هديه صلىاللهعليهوسلم في الزكاة أكمل هدي في وقتها ، وقدرها ونصابها ، ومن تجب عليه ، ومصرفها. ويراعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه. وقيد النعمة به على الأغنياء. فما أزال النعمة بالمال على من أدى زكاته. بل يحفظه عليه وينميه له ويدفع عنه بها الآفات ، ويجعلها سورا عليه وحصنا له وحارسا له.
ثم قال في (هديه صلىاللهعليهوسلم في صدقة التطوع) : كان صلىاللهعليهوسلم أعظم الناس صدقة مما ملكت يده. وكان لا يستكثر شيئا أعطاه لله تعالى ولا يستقله. ولا يسأله أحد شيئا عنده إلا أعطاه قليلا أو كثيرا. وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر. وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه. وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه. وكان أجود الناس بالخير يمينه كالريح المرسلة. وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه تارة بطعامه وتارة بلباسه. وكان يتنوع في أصناف عطائه وصدقته. فتارة بالهبة وتارة بالصدقة وتارة بالهدية وتارة بشراء شيء ثم يعطي البائع الثمن والسلعة جميعا كما فعل بجابر (١). وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه ، وأفضل
__________________
(١) أخرج البخاريّ في : البيوع ، ٣٤ ـ باب شراء الدواب والحمير ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلىاللهعليهوسلم في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا. فأتى عليّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال «جابر!» فقلت : نعم. قال : «ما شأنك؟» قلت : أبطأ عليّ جملي وأعيا فتخلفت. فنزل يحجنه بمحجنه. ثم قال «اركب» فركبت. فلقد رأيته أكفّه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال «تزوجت؟» قلت : نعم. قال «بكرا أم ثيبا؟» قلت : بل ثيبا. قال «أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟» قلت : إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن وتمشطهن وتقوم عليهن. قال : «أما إنك قادم. فإذا قدمت فالكيس! الكيس!» ثم قال «أتبيع جملك؟» قلت : نعم. فاشتراه بأوقية. ثم قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبلي وقدمت بالغداة. فجئنا إلى المسجد. فوجدته على باب المسجد. قال «الآن قدمت؟» قلت : نعم. قال «فدع جملك فادخل فصل ركعتين» فدخلت فصليت. فأمر بلالا أن يزن لي أوقية. فوزن لي بلال فأرجح في الميزان. فانطلقت حتى وليت. فقال «ادع لي جابرا» قلت : الآن يردّ عليّ الجمل. ولم يكن شيء أبغض إليّ منه. قال : «خذ جملك ولك ثمنه».