إشكال أيضا. فما روي عن بعض الصحب عليهم الرضوان منشؤه قوة اليقين وشدة الخوف من هول المطلع مع ورود الحساب في كثير من الآيات في معرض أخطار القيامة مما يحق أن يخفق له فؤاد كل مؤمن. ولا تنس ما أسلفنا في المقدمة وفي غير موضع ، أن قولهم : نزلت في كذا قد يراد أن كذا مما يشمله لفظ الآية لعمومها له ولغيره. وهكذا هنا. فالآية وإن كان سياقها في الشهادة وكتمانها ، إلا أنها تتناول غيرها بعمومها. ولذلك دخل فيها الوسوسة وتوهم ما توهم. وقوله في الرواية : فأنزل الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) لا يتوهم التراخي بين ما دخل قلوبهم وبين نزولها. بل المراد ، كما أسلفنا في سبب النزول ، أن لفظ (لا يُكَلِّفُ اللهُ ...) إلخ الذي نزل معها مبين أن لا حرج في مثل الوسوسة ونحوها. فافهم فإنه نفيس جدا. وبه يزاح عنك ما يبحث فيه الكثيرون في هذه الآية ويرونه من المعضلات. وبالله التوفيق.
هذا وفي الصحيحين (١) عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ، ما لم تعمل أو تكلّم». وفي الصحيحين (٢) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قال الله عزوجل : (إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه. فإن عملها فاكتبوها سيئة. وإذا همّ بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشرا)» ، (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) وقرئ برفع الفعلين على الاستئناف أي فهو يغفر إلخ. وبجزمهما عطفا على جواب الشرط. وفي تقديم المغفرة على التعذيب إشعار بسبق رحمته تعالى على غضبه (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). قال الرازيّ : قد بيّن بقوله : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أنه كامل الملك والملكوت. وبيّن بقوله (وَإِنْ تُبْدُوا ..) إلخ. أنه كامل العلم والإحاطة. ثم بيّن بقوله (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أنه كامل القدرة مستول على كل الممكنات بالقهر والقدرة والتكوين والإعدام. ولا كمال أعلى وأعظم من حصول الكمال في هذه الصفات. والموصوف بهذه الكمالات يجب على كل عاقل أن يكون عبدا منقادا له ، خاضعا لأوامره ، ونواهيه ، محترزا عن سخطه. وبالله التوفيق.
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : العتق ، ٦ ـ باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق.
(٢) أخرجه مسلم في : الإيمان ، حديث ٢٠٣ ولم يخرجه البخاريّ.