أي اغفر لنا غفرانك. أو نسألك غفرانك ذنوبنا. وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما أن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) أي الرجوع بالموت والبعث لا إلى غيرك ، وهو تذييل لما قبله مقرر للحاجة إلى المغفرة. لما أن الرجوع للحساب والجزاء.
القول في تأويل قوله تعالى :
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (٢٨٦)
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) أي لا يحملها إلا ما تسعه وتطيقه ولا تعجز عنه.
قال الرازيّ : يحتمل أن يكون هذا ابتداء خبر من الله. ويحتمل أن يكون حكاية عن الرسول والمؤمنين بأنهم قالوا : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). على نسق الكلام في قوله : (وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا). وقالوا : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).
ويؤيد ذلك ما أردفه من قوله : (رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا). فكأنه تعالى حكى عنهم طريقتهم في التمسك بالإيمان والعمل الصالح. وحكى عنهم في جملة ذلك أنهم وصفوا ربهم بأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها.
ثم قال الرازيّ : في كيفية النظم : إن قلنا : إن هذا من كلام المؤمنين ، فوجه النظم أنهم لما قالوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) فكأنهم قالوا : كيف لا نسمع ولا نطيع وأنه تعالى لا يكلفنا إلا ما في وسعنا وطاقتنا. فإذا كان هو تعالى ، بحكم الرحمة الإلهية ، لا يطالبنا إلا بالشيء السهل الهيّن ، فكذلك نحن بحكم العبودية وجب أن نكون سامعين مطيعين. وإن قلنا : إن هذا من كلام الله تعالى ، فوجه النظم أنهم لما قالوا : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ثم قالوا بعده : (غُفْرانَكَ رَبَّنا) ، دلّ ذلك على أن قولهم : (غُفْرانَكَ) ، طلب للمغفرة فيما يصدر عنهم من وجوه التقصير منهم على سبيل العمد. فلما كان قولهم (غفرانك) طلبا للمغفرة في ذلك التقصير ، لا جرم خفف الله تعالى ذلك عنهم. وقال : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها). والمعنى : أنكم إذا سمعتم وأطعتم ، وما تعمدتم التقصير ، فعند ذلك لو وقع منكم نوع تقصير على سبيل السهو والغفلة فلا تكونوا خائفين منه. فإن الله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا