البيان. ثم أعيد ذكر الرخصة بقوله تعالى (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) لئلّا يتوهم من تعظيم أمر الصوم في نفسه وأنّه خير ، أن الصوم حتم لا تتناوله الرخصة بوجه ، أو تتناوله ، ولكنها مفضولة. وفيه عناية بأمر الرخصة ، وأنها محبوبة له تعالى كما ورد. وفي إطلاقه ، إشعار بصحة وقوع القضاء متتابعا وغير متتابع (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) أي تشريع السهولة بالترخيص للمريض والمسافر ، وبقصر الصوم على شهر (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) في جعله عزيمة على الكلّ ، وزيادته على شهر.
قال الحراليّ : اليسر عمل لا يجهد النفس ولا يثقل الجسم. والعسر ما يجهد النفس ويضرّ الجسم.
قال الشعبيّ : إذا اختلف عليك أمران ، فإنّ أيسرهما أقربهما إلى الحقّ ، لهذه الآية.
وروى الإمام أحمد مرفوعا (١) : إنّ خير دينكم أيسره ، إن خير دينكم أيسره. وروى أيضا (٢) : إنّ دين الله في يسر (ثلاثا).
وفي الصحيحين (٣) : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لمعاذ وأبي موسى ، حين بعثهما إلى اليمن : يسّرا ولا تعسّرا ، وبشّرا ولا تنفّرا ، وتطاوعا ولا تختلفا.
وفي السنن والمسانيد (٤) : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : بعثت بالحنيفية السمحة.
__________________
(١) مسند الإمام أحمد ، ٣ / ٤٧٩.
(٢) مسند الإمام أحمد ، ٥ / ٦٩ : عن عروة الفقيميّ ونصه : كنا ننتظر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فخرج رجلا يقطر رأسه من وضوء أو غسل ، فصلى. فلما قضى الصلاة جعل الناس يسألونه : يا رسول الله! أعلينا حرج في كذا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا. أيها الناس! إن دين الله عزوجل في يسر» (ثلاثا يقولها).
(٣) أخرجه البخاريّ في : الجهاد ، ١٦٤ ـ باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب ، حديث ١١٢٩.
وأخرجه مسلم في : ٣٢ ـ كتاب الجهاد والسير ، حديث ٧.
(٤) مسند الإمام أحمد ، ٥ / ٢٦٦ ونصه : عن أبي أمامة قال : خرجنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سرية من سراياه. قال فمرّ رجل بغار فيه شيء من ماء. قال فحدّث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء. ويصيب ما حوله من بقل ويتخلى من الدنيا. ثم قال : لو أني أتيت نبيّ الله صلىاللهعليهوسلم فذكرت ذلك له. فإن أذن لي فعلت. وإلا ، لم أفعل. فأتاه فقال : يا نبيّ الله! إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل. فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا. قال فقال النبيّ صلىاللهعليهوسلم «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية. لكن بعثت بالحنيفية السمحة. والذي نفس محمد بيده! لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها. ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة».