موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله ، مجازا. يقال : هذا دأبك أي شأنك وعملك ، قال الأزهريّ : عن الزجّاج في هذه الآية : أي كأمر آل فرعون ، كذا قال أهل اللغة. قال الأزهري : والقول عندي فيه ـ والله أعلم ـ أن دأبهم هنا اجتهادهم في كفرهم وتظاهرهم على النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، كتظاهر آل فرعون على موسى عليه الصلاة والسلام ؛ يقال : دأبت أدأب دأبا ودؤوبا إذا اجتهدت في الشيء ـ انتهى ـ قال أبو البقاء : وفي ذلك تخويف لهم لعلمهم بما حل بآل فرعون (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة ، فالموصول في محل جر عطف على ما قبله (كَذَّبُوا بِآياتِنا) بيان وتفسير لدأبهم الذي فعلوا على طريقة الاستئناف المبنيّ على السؤال المقدر (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) أي عاقبهم وأهلكهم بسببها. (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي الأخذ بالذنب. فيه تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف للكفرة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (١٢)
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) بهذا الدين وهم اليهود (للزاوية الآتية) أو نصارى نجران ، لأن السورة نزلت لإحقاق الحق معهم ، أو أعمّ (سَتُغْلَبُونَ) أي في الدنيا (وَتُحْشَرُونَ) أي يوم القيامة (إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) الفراش ، أي فكفركم ككفر آل فرعون بموسى ، وقد فعل بقريش لكفرهم ما رأيتم ، فسيفعل بكم ما فعل بهم ، وهو أنكم تغلبون كما غلبوا. وقد صدق الله وعده بقتل قريظة (١) ، وإجلاء بني النضير (٢) ، وفتح خيبر (٣) ، وضرب الجزية على من عداهم ، وهو من أوضح شواهد النبوة. وقد روى أبو داود في سننه والبيهقيّ في الدلائل من طريق ابن إسحاق ، عن ابن عباس أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أصاب من أهل بدر ما أصاب ، ورجع إلى المدينة ، جمع اليهود في سوق بني قينقاع وقال : يا معشر يهود! أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشا ، فقالوا : يا محمد! لا يغرنك من نفسك أن قتلت نفرا من قريش كانوا أغمارا لا يعرفون القتال ، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس ، وأنك لم تلق مثلنا ، فأنزل الله (قُلْ لِلَّذِينَ ....) إلى قوله (لِأُولِي الْأَبْصارِ).
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : المغازي ، ٣٠ ـ باب مرجع النبيّ صلىاللهعليهوسلم من الأحزاب ، ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم.
(٢) أخرجه البخاريّ في : المغازي ، ١٤ ـ باب حديث بني النضير ومخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم.
(٣) أخرجه البخاريّ في : المغازي ، ٣٨ ـ باب غزوة خيبر.