ولا خطر على قلب بشر ، و (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) خبر المبتدأ الذي هو (جَنَّاتٌ) و (تَجْرِي) صفة لها ، و (عِنْدَ) إما متعلق بما تعلق به الجار من معنى الاستقرار ، وإما صفة للجنات في الأصل ، قدّم فانتصب على الحال. والعندية مفيدة لكمال علو رتبة الجنات وسمو طبقتها (خالِدِينَ فِيها) أي ماكثين فيها أبد الآباد لا يبغون عنها حولا (وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) أي من الأرجاس والأدناس البدنية والطبيعية مما لا يخلو عنه نساء الدنيا غالبا (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ) التنوين للتفخيم أي رضوان لا يقدر قدره. وهذه اللذة الروحانية تتمة ما حصل لهم من اللذات الجسمانية وأكبرها. كما قال تعالى في آية براءة (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢] ، أي أعظم ما أعطاهم من النعيم المقيم. روى الشيخان (١) عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله عزوجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة! فيقولون : لبيك ربنا وسعديك. فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك؟ قالوا : يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا. (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي عالم بمصالحهم فيجب أن يرضوا لأنفسهم ما اختاره لهم من نعيم الآخرة ، وأن يزهدوا فيما زهّدهم فيه من أمور الدنيا. ثم وصف سبحانه الذين اتقوا ففازوا بتلك الكرامات بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (١٦)
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ) قال الحاكم : في الآية دلالة على أنه يجوز للداعي أن يذكر طاعاته وما تقرب به إلى الله ، ثم يدعو ويؤيده ما في الصحيحين من حديث أصحاب الغار (٢) ، وتوسل كل منهم بصالح عمله ، ثم تفريج الباري تعالى عنهم. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (١٧)
(الصَّابِرِينَ) أي على البأساء والضراء وحين البأس (وَالصَّادِقِينَ) في إيمانهم
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في : الرقاق ، ٥١ ـ باب صفة الجنة والنار ، حديث ٢٤٥٨.
(٢) أخرجه البخاري في : البيوع ، ٩٨ ـ باب إذا اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي.