والرضا به. ومنهم من يلزمه أن لا يتعدى بل يقتص أو يأخذ الدية. والقصد بالآية : منع التعدّي الجاهليّ.
الثاني : القصاص مصدر قاصّه ، المزيد. وأصل القصّ : قطع الشيء على سبيل الاجتذاذ ، ومنه : قصّ شعره ؛ وقصّ الحديث : اقتطع كلاما حادثا جدا وغيره ، والقصة اسم منه. وحقيقة القصاص : أن يفعل بالقاتل والجارح مثل ما فعلا. أفاده الراغب.
الثالث : ذكر تقيّ الدين ابن تيمية في (السياسة الشرعية) جملة من أحكام القتل نأثرها عنه. قال رحمهالله :
القتل ثلاثة أنواع :
أحدها العمد المحض : وهو أن يقصد من يعلمه معصوما بما يقتل غالبا. سواء كان يقتل بحدّه كالسيف ونحوه. أو بثقله ، كالسندان وكودس القصار. أو بغير ذلك : كالتحريق ، والتغريق ، وإلقاء من مكان شاهق ، والخنق ، وإمساك الخصيتين حتى يخرج الروح ، وغم الوجه حتى يموت ، وسقي السموم ... ونحو ذلك من الأفعال. فهذا إذا فعله وجب فيه القود. وهو أن يمكن أولياء المقتول من القاتل. فإن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا عفوا ، وإن أحبوا أخذوا الدية ؛ وليس لهم أن يقتلوا غير قاتله. قال الله تعالى : ... (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) [الإسراء : ٣٣]. وقيل في التفسير : لا يقتل غير قاتله. وعن أبي شريح الخزاعيّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١) : من أصيب بدم أو خبل ـ والخبل الجرح ـ فهو بالخيار بين إحدى ثلاث. فإن أراد الرابعة ، فخذوا على يديه : أن يقتل ، أو يعفو ، أو يأخذ الدية. فمن فعل شيئا من ذلك فعاد ، فإن له نار جهنم خالدا مخلّدا فيها أبدا. فمن قتل بعد العفو وأخذ الدية فهو أعظم جرما ممّن قتل ابتداء. حتى قال بعض العلماء : إنه يجب قتله حدّا ولا يكون أمره إلى أولياء المقتول. فإنّ الله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى : الْحُرُّ بِالْحُرِّ ، وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ ، وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى ، فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ : فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ ، وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ، ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ). (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ). قال العلماء : إن أولياء المقتول تغلي قلوبهم بالغيظ ، حتى يؤثروا أن يقتلوا
__________________
(١) أخرجه ابن ماجة في : الديات ، ٣ ـ باب من قتل له قتيل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث ، حديث ٢٦٢٣.