الإعداد ومنه الإمداد. وإذا أقامه في مقام ، أيّ مقام كان ، فبحمده أقامه فيه ، وحكمته أقامته فيه ، ولا يليق به غيره ، ولا يصلح له سواه ، ولا مانع لما أعطى الله ، ولا معطي لما منع ، ولا يمنع عبده حقّا هو للعبد ، فيكون بمنعه ظالما ، بل منعه ليتوسل إليه بمحابه ليعطيه ، وليتضرع إليه ويتذلل بين يديه ويتملقه ويعطي فقره إليه حقه. بحيث يشهد في كل ذرة من ذراته الباطنة والظاهرة فاقة تامة إليه ، على تعاقب الأنفاس. وهذا هو الواقع في نفس الأمر وإن لم يشهده. فلم يمنع عبده ما العبد محتاج إليه ، بخلا منه ولا نقصان من خزائنه ولا استئثارا عليه بما هو حق للعبد. بل منعه ليردّه إليه وليعزه بالتذلل له ، وليغنيه بالافتقار إليه ، وليجبره بالانكسار بين يديه ، وليذيقه بمرارة المنع ، حلاوة الخضوع ولذة الفقر. وليلبسه خلعة العبودية ، ويوليه بعزله أشرف الولايات ، وليشهده حكمته في قدرته ، ورحمته في عزته ، وبره ولطفه في قهره. وأنّ منعه عطاء وعزله تولية وعقوبته تأديب وامتحانه محبة وعطية وتسليط أعدائه عليه سائق يسوقه إليه. وبالجملة فلا يليق بالعبد غير ما أقيم فيه. وحكمته وحمده أقاماه في مقامه الذي لا يليق به سواه ولا يحسن أن يتخطاه ، انتهى.
ثم أشار تعالى إلى أن الموت في سبيل الله ليس مما يوجب الحسرة حتى يحذر منه. بل هو مما يوجب الفرح والسرور ، فقال :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (١٥٧)
(وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) أي فيه من غير قتال (لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ) أي لذنوبكم تنالكم (وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) أي الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها الفانية.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ) (١٥٨)
(وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ) على أي وجه كان حسب القضاء السابق (لَإِلَى اللهِ) أي الذي هو متوفيكم لا غيره (تُحْشَرُونَ) فيجزيكم بأعمالكم.
لطائف :
الأولى : أطال نحاة المفسرين في قوله تعالى (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا)