ذكر قدرته هاهنا نكتة لطيفة ، وهي أن هذا الأمر بيده وتحت قدرته ، وأنه هو الذي لو شاء لصرفه عنكم ، فلا تطلبوا كشف أمثاله من غيره ، ولا تتكلوا على سواه. كشف هذا المعنى وأوضحه كل الإيضاح بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) (١٦٦)
(وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع المسلمين وجمع المشركين يوم أحد (فَبِإِذْنِ اللهِ) أي فهو كائن بقضائه وتخليته الكفار ، فالإذن هنا هو الإذن الكونيّ القدريّ ، لا الشرعيّ الدينيّ ، كقوله في السحر : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ١٠٢]. ثم أخبر عن حكمة هذا التقدير بقوله : (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ) (١٦٧)
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا) أي ليعلم المؤمنين من المنافقين علم عيان ورؤية يتميز فيه أحد الفريقين من الآخر تميزا ظاهرا (وَقِيلَ لَهُمْ) عطف على (نافقوا) داخل معه في حيز الصلة. أو كلام مبتدأ (تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا) يعني إن لم تقاتلوا لوجه الله تعالى فقاتلوا دفعا عن أنفسكم وأموالكم (قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ) أي لكنه ليس إلا إلقاء النفس في التهلكة (هُمْ) أي بهذا القول (لِلْكُفْرِ) في الظاهر (يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ) في الظاهر مع أنه لا إيمان لهم في الباطن أصلا.
فائدتان :
الأولى ـ قال ابن كثير : استدلوا به على أن الشخص قد تتقلب به الأحوال ، فيكون في حال أقرب إلى الكفر ، وفي حال أقرب إلى الإيمان.
الثانية ـ قال الواحديّ : هذه الآية دليل على أن من أتى بكلمة التوحيد لم يكفر ، ولم يطلق القول بتكفيره. لأنه تعالى لم يطلق القول بكفرهم ، مع أنهم كانوا