القول في تأويل قوله تعالى :
(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) (١٩٤)
(رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ) أي على تصديق رسلك والإيمان بهم. أو على ألسنة رسلك. وهو الثواب ، وهذا حكاية لدعاء آخر لهم ، معطوف على ما قبله. وتكرير النداء لما مرّ (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) قصدوا بذلك تذكير وعده تعالى بقوله : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) [التحريم : ٨]. بإظهار أنهم ممن آمن معه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (١٩٥)
(فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي) أي بأني (لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) بيان ل (عامل) وتأكيد لعمومه (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر ، كلكم بنو آدم. وهذه جملة معترضة مبينة سبب شركة النساء مع الرجال ، فيما وعد الله عباده العاملين. وروى الحافظ سعيد بن منصور في سننه عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ، فأنزل الله تعالى (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ...) الآية ـ وقالت الأنصار : هي أول ظعينة قدمت علينا ـ ورواه الترمذي (١) ، والحاكم في (مستدركه) وقال : صحيح على شرط البخاريّ ، ولم يخرجاه. وروى ابن مردويه عن مجاهد عن أم سلمة قالت : آخر آية نزلت (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ...) إلى آخرها. وعن جعفر الصادق رضي الله عنه : من حزبه أمر فقال : خمس مرات (ربّنا) أنجاه الله مما يخاف ، وأعطاه ما أراد. وقرأ الآيات.
(فَالَّذِينَ هاجَرُوا) مبتدأ ، وهو تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم
__________________
(١) أخرجه الترمذيّ في : التفسير ، ٤ ـ سورة النساء ، ٩ ـ حدثنا ابن أبي عمر. ونصه : عن أم سلمة قالت : يا رسول الله! لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة ، فأنزل الله تعالى : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ).