الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الحجرات : ٩ ـ ١٠]. وينبغي أن يطلب العفو من أولياء المقتول ، فإنه أفضل لهم كما قال تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ ، فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) [المائدة : ٤٥]. قال أنس (١) : ما رأيت نبي الله صلىاللهعليهوسلم رفع إليه شيء فيه قصاص إلّا أمر فيه بالعفو ..! رواه أبو داود وغيره. وروى مسلم في صحيحه (٢) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله. وهذا الذي ذكرناه من التكافؤ ، هو في المسلم الحرّ مع المسلم الحرّ ، فأما الذّميّ ، فجمهور العلماء على أنه ليس بكفء للمسلم. كما أنّ المستأمن الذي يقدم من بلاد الكفار ـ رسولا أو تاجرا أو نحو ذلك ـ ليس بكفء له ، وفاقا. ومنهم من يقول : بل هو كفء له. وكذلك النزاع في قتل الحرّ بالعبد.
النوع الثاني : الخطأ الذي يشبه العمد : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم (٣) : ألا إنّ قتيل العمد الخطأ بالسوط والعصا شبه العمد فيه مائة من الإبل مغلّظة منها أربعون خلفة في بطونها أولادها. سمّاه شبه العمد لأنه قصد العدوان عليه بالخيانة ، لكنّه بفعل لا يقتل غالبا ، فقد تعمّد العدوان ولم يتعمد ما يقتل.
الثالث : الخطأ المحض وما يجري مجراه : مثل أن يكون يرمي صيدا أو هدفا فيصيب إنسانا بغير علمه ولا قصده ، فهذا ليس فيه قود ، وإنما فيه الدية والكفارة. وهنا مسائل كثيرة معروفة في كتب أهل العلم وبينهم.
التنبيه الرابع : قال الراغب : إن قيل : لم قال فمن عفي له من أخيه شيء ولم يقل : فمن عفا له أخوه شيئا ..؟ قيل : العدول إلى ذلك للطيفة. وهي أنه لا فرق بين أن يكون صاحب الدم قد عفا أو جماعة ، فعفا أحدهم. إذ القصاص يبطل ويعدل حينئذ إلى الدية ، فقال : فمن عفي له من أخيه شيء ليدل على هذا المعنى ، و (الهاء) في قوله : أخيه يجوز أن تكون للمقتول ولوليّه. وجعله أخا لوليّ الدم لا للنسب ولا لموالاة دينية ، ولكن للإحسان الذي أسداه في الرضا منه بالدية.
الخامس : هذه الآية مفسرة لما أبهم في آية المائدة وهي قوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) [المائدة : ٤٥]. كما أنها مقيدة وتلك مطلقة ، والمطلق يحمل على
__________________
(١) أخرجه أبو داود في : الديات ، ٣ ـ باب الإمام يأمر بالعفو في الدم ؛ حديث ٤٤٩٧.
(٢) أخرجه مسلم في : البر والصلة والآداب ، حديث ٦٩.
(٣) أخرجه النسائيّ في : القسامة ، حديث ٣٣ و ٣٤ ـ باب كم دية شبه العمد.