أقول : هذا من باب المثال وذكر بعض المصاديق.
روى البخاري وابن جرير عن البراء : «كانوا إذا أحرموا في الجاهلية أتوا البيت من ظهره فأنزل الله هذه الآية : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها)».
أقول : روى مثله في الدر المنثور عن وكيع ، وأخرج ابن جرير عن الزهري في سبب ذلك أنّهم كانوا يتحرّجون من الدخول من الباب من أجل سقف الباب يحول بينهم وبين السماء. ولا ريب في أنّ ذلك كان من اختراعات الجاهلية ومبتدعاتهم.
في الدر المنثور أيضا عن ابن أبي حاتم : «كانت قريش تدعى الحمس وكانوا يدخلون من الأبواب في الإحرام وكان نبينا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) في بستان إذ خرج من بابه وخرج معه قطبة بن عامر الأنصاري فقالوا : يا رسول الله إنّ قطبة بن عامر رجل فاجر وانه خرج معك من الباب ، فقال له : ما حملك على ما فعلت؟ قال : رأيتك فعلته ففعلته كما فعلت قال (صلىاللهعليهوآله) : إنّي رجل أحمس. قال : فإنّ ديني دينك فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها).
أقول : إنّ ردعه (صلىاللهعليهوآله) لعامر كان نحو مداراة معهم ، لا أن يكون تقريرا وتثبيتا لعادتهم السيئة حتى تكون الآية ناسخة لذلك ، ومثل ذلك في بدء الإسلام وأوائله كثير.
قال ابن عباس في رواية أبي صالح : «كان الناس في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم رجل منهم بالحج ، فإن كان من أهل المدر ـ يعني من أهل البيوت ـ نقب في ظهر بيته فمنه يدخل ومنه يخرج ، أو يضع سلّما فيصعد منه وينحدر عليه ، وإن كان من أهل الوبر ـ يعني أهل الخيام ـ يدخل من خلف الخيام إلا من كان من الحمس».
أقول : وروى في المجمع قريبا منه والحمس : جمع أحمس وهم : قريش ، وكنانة ، وخزاعة ، وثقيف ، وجشم ، وبنو عامر بن صعصعة ، وبنو نضر