الغاية ، بل غاية الغايات وأقصى الأغراض ، فإنّ الإسلام إنّما جاء لحفظ إنسانية الإنسان والدفاع عن الأنفس والأموال والأعراض ، ولا بد في ذلك من ملاحظة سبيل الله تعالى والإخلاص فيه وعدم التعدي عما حدّده الله تعالى ، وأعظم ما يمكن نقله في المقام تأييدا لما ذكرناه ما نقل عن عليّ (عليهالسلام) في بعض الغزوات أنّه ظفر على عدوّ له فلما أراد قتله أهان العدوّ في وجهه الكريم (بصق) فألقى عليّ (عليهالسلام) سيفه من يده هنيئة ثم أخذه وقتله ، ولما سئل عن السبب قال : «لو قتلته في تلك الحالة لما كان خالصا لوجه الله تعالى». وهذا مثل إسلامي يدل على عظمة ما جاء به الإسلام ، وسموه عن العواطف الشخصية ، والحزازات القبلية.
ويستفاد من قوله تعالى : (فِي سَبِيلِ اللهِ) أنّ الجهاد عبادة لا بد وأن يقصد به وجه الله تعالى ، وفيه إشارة إلى قطع جميع الإضافات ، والقلع عن جميع الشهوات ، وإبطال ما كان عليه أهل الجاهلية والهمجية من قتل الناس ، والاستيلاء على أموالهم ، وهتك أعراضهم من غير سبب ولا غرض عقلائي ، فضلا عن أن يكون في سبيل الله تعالى.
والمعنى : قاتلوا أيّها المؤمنون في سبيل الله ووجهه الكريم ونصرة دين الحق الذين يقاتلونكم وينكثون عهدكم ، ويريدون سفك دمائكم.
قوله تعالى : (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).
الاعتداء والعدوان : المجاوزة عن الحد ، سواء كان في القول أم الفعل أم المال أم غيره. وهو من أقبح الصفات المذمومة ، وهي مكروهة عند الله تعالى ، وقد استعمل عبارة (لا يُحِبُ) بالنسبة إلى الله عزوجل في أكثر من عشرين موردا ، قال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) [البقرة ـ ٢٠٥] ، وقال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [الحديد ـ ٢٣] ، وقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ) [الأنفال ـ ٢٨] ، وقال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران ـ ٥٧] ، إلى غير ذلك من الآيات الشريفة.
وهي من الكنايات البليغة اللطيفة فإن أدب القرآن هو التعبير عن الملزوم