١٩٢ ـ قوله تعالى : (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
الانتهاء : الامتناع أي : إذا امتنعوا عن القتال ، وكفّوا عنه عند المسجد الحرام فإنّ الله غفور رحيم أو فاقبلوا منهم توبتهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كما في قوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) [الأنفال ـ ٦١].
والظاهر أنّ هذه الآية بالنسبة إلى انتهائهم عن قتال المسلمين ، والآية التالية في إغرائهم عن الشرك الذي هو أشد من الأولى فلا تكرار.
١٩٣ ـ قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ).
بيان لغاية القتال وأمده ، كما أنّ الجملة الاولى بيان لمبدئه أي : قاتلوا المشركين حتى لا تكون فتنة وضلال في البين.
والمراد بالفتنة هنا : الشرك فإنّه يسبب الضلال والصرف عن الحق ويأتي في البحث الروائي ما يدل عليه.
قوله تعالى : (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
أي : يكون الدّين هو الدّين الحق المستقر على التوحيد الذي لا شرك فيه ولا ضلال. ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الأنفال ـ ٣٩] إلا أنّ الفرق بينهما أنّ الثانية إعلان للقتال مع جميع المشركين ولذا قيّد الدّين بقوله جل شأنه (كُلُّهُ) بخلاف الاولى فإنّها أمر بقتال مشركي مكة.
والمراد من الدّين هنا : معتقدات الناس ، وفي الحديث أنّه (عليه الصلاة والسلام) : «كان على دين قومه» أي : دين إبراهيم (عليهالسلام) ومعتقداته من الحج وسائر العبادات ، والنكاح ، والميراث وغيرها من أحكام الإيمان ، بل ومكارم الأخلاق.
والمراد بكونه لله. صيرورة جميع تلك المعتقدات المختلفة اعتقادا واحدا محبوبا لله تعالى ، وهو الدين الذي جاء به القرآن على لسان نبينا الأعظم (صلّى الله