وفيه إيماء إلى أنّ الاعتداء ما إذا كان صادرا عن ابتداء ، فأخذ عليهم وألزمهم بفعلهم ، أي أنّه وقع عليهم بفعلهم.
والمعنى : من اعتدى حدود الحق عليكم فاعتدوا عليه مجازاة ومعاملة بالمثل بمقداره دون الزيادة.
وهذا حكم عقلي يجري في جميع شؤون حياة الإنسان النظامية والاجتماعية.
وقد استدل فقهاء المسلمين بهذه الآية المباركة في مواضع متعددة في الفقه الإسلامي وأسسوا قاعدة المثلية في الضمانات طبقا لهذه الآية الشريفة ، وهي قاعدة فطرية إلا أنّ التحديدات الواردة عليها إنّما هي شرعية كما هو الشأن في كثير من القواعد الفطرية.
والمراد بالمثلية المتعارفة منها في الكم والكيف وسائر الجهات الفرعية المختلفة لأجلها الأغراض العقلائية ، ومن التحديد بالمثل يستفاد أنّ الزيادة عليه اعتداء لا بد وأن يقتص بها.
وليس المراد بالمثلية العقلية منها فإنّها غير ممكنة بل هي مستحيلة إذ كيف يمكن تحصيلها مع ما يعتبر فيها من تحقق جميع النسب والإضافات العامة كالزمان والمكان ونحو ذلك ، ولذا لم تعتبر في الإسلام المبني على التيسير والتسهيل.
وإنّما أفرد الضمير في «عليه» باعتبار لفظ «من».
ويستفاد من الآية الشريفة العدل الإسلامي الجاري في القليل والكثير والضعيف والقوي. والفقير والغني وكان ذلك معيارا للتمييز بين الحق والباطل.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
ترغيب إلى ملازمة الاحتياط مهما أمكن ، فإنّ المقام مقام الشدة والبأس ، واستيلاء القوة الغضبية الداعية إلى الانتقام والطغيان والانحراف عن الاعتدال أمرهم بملازمة التقوى والاستقامة في الدّين وتحذير لهم بأن لا يتعدّوا عما رخصه الله تعالى ، فاتقوا الله في جميع شؤونكم وفي جميع حالاتكم ، واعلموا أنّ الله مع المتقين وناصرهم ، وهم محتاجون إلى نصرته وولايته في مثل هذه الحالة.