وفي الخطاب كمال العطف والعناية ، وإعلام لهم بأنّ الله تعالى قادر على الانتقام من المعتدين ورد اعتدائهم عليهم وأنّ معية الله تعالى مع أهل التقوى في مثل هذه الحالة تزيل أثر الاعتداء.
قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
أمر بإنفاق المال في سبيل الله تعالى بعد الأمر بالجهاد ومقاتلة أعداء الله تعالى ، لأنّ الجهاد يتقوّم بالمال والنفس ، بل لا يكون الجهاد بالنفس إلا بالجهاد بالمال أيضا فهما متلازمان.
والإنفاق : إخراج المال عن الملك لغرض صحيح ، وهو إما أن يكون شرعيّا ـ واجبا كان أو مندوبا ، أو مباحا ـ أو يكون فيه غرض صحيح عقلائي ، وبدون ذلك يكون مذموما بل قد يكون حراما أو مكروها.
وسبيل الله كلّ ما يرجى فيه ثواب الله تعالى ، ومن أهم سبله تعالى الجهاد مع المشركين وإعلاء كلمة الدّين وإحقاق الحق وإبطال الباطل وقد تقدم الوجه في تقييد كون الإنفاق في سبيل الله.
قوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ).
مادة (لقي) تأتي بمعنى مطلق الدرك في الجملة ، سواء كان حسيا للمحسوس ، كقوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا) [البقرة ـ ٧٦] ، أو لغير المحسوس ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) [آل عمران ـ ١٤٣] ، وقوله تعالى : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً) [طه ـ ٣٩] ، أو من عالم آخر غير عالم الدّنيا قال تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء ـ ١٣]. أو من المعنى للمعنى الذي هو فوق جميع الممكنات كالآيات المشتملة على لقاء الله تعالى الذي له مراتب كثيرة ولا بد من حملها على مراتب كبريائه وعظمته على ما يأتي التفصيل في محلّه.
ولهذه المادة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بهيئات مختلفة وتستعمل في المتعارف في كلّ طرح ، يقال : ألقيت إليك سلاما وكلاما ، ومودة ، قال