والإسراف ، والتبذير في الإنفاق ، وبذل جميع المال وترك النفس والعيال عالة بحيث يؤدي إلى اضطراب الحال وانحطاط الحياة وبطلان المروة. فلا بد من الإحسان في كلّ شيء ، وهو الطريق الوسط الممدوح عقلا وشرعا. ولذا عقّب سبحانه هذه الآية بالإحسان للاعلام بأنّه لا بد من إحراز الحسن والإحسان وأن يتجنب عن مشكوك التهلكة فضلا عن مقطوعها ومظنونها.
ومما يوجب الهلاك والضياع هو الإحجام عن الإنفاق في سبيل الله بكلّ ما يستطاع عند القتال وغيره فإنّ ذلك يوجب ذهاب القدرة وهلاك الأنفس وظهور العدوّ فلا بد للمؤمنين من الاستعداد للجهاد وإلا فقد ألقوا أنفسهم في التهلكة وضيّعوا الدّين.
والآية تتضمن قاعدة عقلية قرّرها القرآن الكريم ، وهي من القواعد التي تمسك بها الفقهاء في مواضع متعددة من الفقه ، وهي تدل على أنّ كلّ تكليف يخاف منه على النفس ، أو العرض ، أو المال بحيث يصدق عليه الوقوع في الهلاك بحسب المتعارف يسقط أصل التكليف إن لم يكن له بدل وإلا فإلى البدل إن كان له أو إلى القضاء إن كان له قضاء.
قوله تعالى : (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
الإحسان معلوم عند كلّ أحد وفاعله محبوب عند الله تعالى ، وقد ذكرت هذه الجملة في عدة مواضع من القرآن الكريم ، وهي من أهم القواعد في تهذيب النفس وأعظم أنحاء التعليم الجامع للخير ، وأصل من أصول التربية العمليّة ، وعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في حديث الإيمان حيث سئل عنه : «فما الإحسان؟ قال (صلىاللهعليهوآله) : أن تعبد الله كأنّك تراه» فأراد بالإحسان المراقبة وحسن الطاعة أي : الإخلاص. فإنّ من راقب الله أحسن عمله ، لأنّه «إن لم تكن تراه فإنّه يراك» ، وقد ورد أنّه «إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف الله عمله بكلّ حسنة سبعمائة وذلك قول الله عزوجل : (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) فأحسنوا أعمالكم التي تعملونها لثواب الله. فقيل : وما الإحسان؟ فقال (صلىاللهعليهوآله) : إذا صلّيت فأحسن ركوعك وسجودك ، وإذا صمت فتوقّ كلّ ما فيه فساد صومك وكل عمل تعمله لله فليكن نقيا من الدنس».