والمعنى : فمن كان منكم في حال الإحرام مريضا يضرّه توفير الشّعر ، أو بالرّأس ما يؤذيه كالقمل ونحوه من الهوام ، فإنّه يجوز الحلق مع الفدية.
قوله تعالى : (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ).
الصدقة : ما يتطوّع به في سبيل الله واجبا كان أم غيره. ومادة «نسك» تأتي بمعنى العبادة ، والناسك العابد ، واختصت بأعمال الحج ، كما أنّ النّسيكة تختص بالذبيحة.
أي : إنّ المحرم الذي جاز له الحلق حال الإحرام يفدى بواحدة من هذه الخصال الثلاث : إما الصيام ، أو الصدقة ، أو النسك. ولم تبيّن الآية حدود كلّ واحدة من هذه الخصال إلا أنّه ورد في السنة المقدّسة ما يبيّن ذلك ، فالصيام بثلاثة أيام ، والصدقة إطعام ستة مساكين ، والنسك ذبح شاة.
قوله تعالى : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ).
الأمن : طمأنينة النفس ، وزوال الخوف. والأمن والأمان ، والأمانة تستعمل مصدرا تارة ، واسما أخرى ويفرق بالقرائن.
ومادة (متع) تأتي بمعنى الارتفاع والانتفاع ، يقال : متع النهار ومتع النبات إذا ارتفع. قال تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) [البقرة ـ ٣٦] ، أي : انتفاع. ولهذه المادة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم بالنسبة إلى الدنيا والآخرة ، وغالب استعمالاتها تشعر بالقلّة والزوال والتحديد ، وهو كذلك إذ لا نسبة بين المتناهي من كلّ جهة وغير المتناهي كذلك ، وفي الحديث : «لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء».
وسمي حج التمتع تمتعا ، لأنّ المحرم يحلّ من إحرامه بعد تمام العمرة ، فينتفع بما حرّم عليه لأجل الإحرام حتى يهلّ للحج ، فهو إحلال بين إحرامين.
وهذه الآية صريحة في تشريع حج التمتع لأنّ الجملة الخبرية أصرح في التشريع من الإنشائيات ، وقد أثبتوا ذلك في الأصول ومن شاء فليراجع كتابنا