زيارتهم لبيت الله الحرام وحجهم له ، فقد كانت الأسواق في الموسم تعقد للمفاخرة بين القبائل وكان يجري فيها ، التنابز بالألقاب والخصام والمراء ، وغير ذلك من المناهي المتعلقة باللسان فناسب ذلك النهي عن هذه الأمور في الحج وإلا فهي محرّمة في جميع الأحوال ، ولبيان أنّ الحج بطبعه لا يقبل هذه الأمور فإنّه السّفر إلى الله والإقبال عليه لغرض أسمى ، ولا تناسب بين ما كان كذلك وبين ما هو من شأنه البعد والفرقة والانفصال.
قوله تعالى : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ).
التفات من الغيبة إلى الخطاب والتكلّم لبيان كمال العطف والاهتمام والاقتراب إلى المتعبدين ، وفيه من الترغيب إلى فعل الخير ، كما أنّ في الآية من التذكير بأنّ أعمال العباد لا تغيب عنه عزوجل ، فإنّ ما يفعله الإنسان من الخير سواء في الحج أو في غيره يعلمه الله ويجازي عليه ، وهو الذي لا يضيع أجر المحسنين ولا يهمله عزوجل.
وذكر الخير بالخصوص مع أنّه تعالى عالم بالخير والشر ، ظاهرهما وباطنهما كما في قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) [البقرة ـ ٢٨٤] ، وقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ) [النور ـ ٢٩] ، إنّما هو للترغيب إلى الخير وحث الناس عليه ، فتكون إرشادا إلى مطلوبيته له تعالى ، مع أنّ ظاهر الحال والمكان يقتضي ذكر الخير ولو فرض وجود شرّ من المعاصي في البين فهو مضمحل في جنب ذلك الخير العظيم لغلبته عليه في تلك المشاعر العظام.
والتصريح باسم الجلالة ليكون إثبات الشيء ببرهان.
وفيه من التنبيه إلى أنّ الإنسان لا بد أن لا يفقد روح العمل ، وهي الحضور لديه عزوجل في جميع أفعاله ، وأنّه لا بد من التطابق بين العلم والعمل فإنّ أحدهما بدون الآخر لا أثر له في نظر القرآن.
قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى).