حرّمه الله عليه بسبب إحرامه وعدم احتياج الإهلال بالحج إلى الذّهاب إلى الميقات مرة أخرى ، فيهلّ بالحج من المسجد الحرام أو غيره من أرض مكة كلّ ذلك مما يخفّف عنه ثقل ذلك عن النائي إذ لم يكن له أهل عند المسجد الحرام ولذا عبّر عنه بمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
الخامس : المنساق من قوله تعالى : (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) أنّ الأيام في الثلاثة وفي السبعة تكون متوالية.
السادس : يستفاد من قوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) أنّ أشهر الحج كانت معلومة عند العرب في الجاهلية ومعروفة قبل الإسلام وقد قرّرت الشريعة المقدّسة ذلك ولم تغيّرها.
السابع : يستفاد من قوله تعالى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) أنّ للحج تحريما وتحليلا فمن شرع فيه يجب عليه إتمامه والتحلّل منه.
الثامن : إنّما ذكر سبحانه : (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لأنه مع العلم يكون الإنسان أشد احترازا عن الوقوع فيما يوجب العقاب والعذاب ، ولأنّ العالم لا يخالف أمر الله تعالى ، لأنّ علمه يمنعه ويرجى مع العلم استصلاح الحال فيكون الإعلام بالعلم بشدة العقاب لطفا في التقوى للعالم به.
التاسع : من بلاغة القرآن أنّه تعالى صرّح في مقام الإضمار ، فذكر الحج ثلاث مرات والمراد من الأول : زمان الحج ، والثاني : الحج نفسه ، والثالث : ما يعم زمانه ومكانه. ولأنّ الله تعالى أراد من ذكره بالخصوص لبيان أنّ عدمها ليس تكليفا محضا يختص بمن فرض فيهنّ الحج بل هو مطلوب للشارع بنفسه وأنّ الحج بطبعه ينافر ذلك فلو قال تعالى : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) لأوهم أنّه تكليف لمن فرض فيه الحج كذلك ، فيكون تكليفا خاصّا به لا من حيث طبيعة الحج.
العاشر : أنّ في قوله تعالى : (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) الاهتمام بنفي الجدال أشد من نفي الرّفث والفسوق ، لأنّ الجدال أهمّ وأعمّ ، ولذلك اهتم الجليل به وذكر الحج عقيبه.