بحث عرفاني
تقدّم في أحد المباحث السابقة أنّ الطاعات والعبادات في الإسلام إنّما هي ألطاف إلهيّة لتكميل النّفوس المستعدّة والوصول إلى الغاية المتوخاة من خلق الإنسان ، فبالعبادة ينال الإنسان مقام العبودية التي هي مجمع الكمالات الإنسانية وبها يصل إلى درجة الخلّة الحقيقية ، وبها يتقرب العبد إلى خالقه ويصل إلى ساحة قدسه ، وبها تتخلّى النفس من الرّذائل وتتحلّى بالفضائل وتتخلّق بالأخلاق الإلهيّة لتتجلّى أنوار الغيب على القلوب وتفوز بالسعادة التي هي فوق كلّ مطلوب وبها ينال العبد مرتبتي الفناء في الله تعالى والبقاء به عزوجل. كلّ ذلك إذا أتى العبد بها على وجهها المطلوب.
ومن العبادات في الإسلام الحج الذي هو السّفر إلى الله تعالى للوقوف بين يدي عظمته والدخول في ضيافته في بيته وحرمه الذي جعله من أبواب رحمته فمن دخله كان من الآمنين.
وهو سفر يتضمّن كثيرا من الأسرار التي لا يطّلع عليها إلا من خلع عن نفسه الأغيار ودخل في حريم كبرياء الجبار.
وهو السّفر الذي تتحقق فيه الأسفار الأربعة التي تكون للسّلّاك من العرفاء ولا ينال العبد ما في هذا السّفر ولا يصل إلى الوجه المطلوب إلا إذا كان ملتفتا إلى سفره : مبدئه وغايته ، ومتوجها إلى كلّ جليل ودقيق في