قوله تعالى : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ).
الرؤوف من أسماء الله الحسنى ، وتقدم أنّ الرأفة أخص من الرحمة في آية ١٤٣ من هذه السورة. وكلّ ما ورد في القرآن الكريم جملة (رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) يؤتى بها من غير توصيف بالرّحيم مثل المقام ، وقوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) [آل عمران ـ ٣٠] ، وفي غيرهما يتبع بالرّحيم ، ولعلّ السرّ في ذلك أنّ العبودية حيث إنّها أخص المقامات والدّرجات تقتضي أخص الألطاف والعنايات.
ومما تقدم يستفاد الوجه في ذكر هذه الجملة المباركة في المقام فإنّ وجود مثل هذا الإنسان الكامل في الخلق ـ الذي قد اتصف بما وصفه الله تعالى من أهمّ مصاديق رأفة الله بعباده ، وهو من مننه تعالى على خلقه ، ومن الخير العام لجميع عبيده.
ومن ذلك يعلم أنّ الآية الشريفة وإن نزلت في شخص معيّن لكن حكمها عام ، وقد ذكرنا مرارا أنّ المورد لا يخصّص عموم الوارد. نعم مثل هذا الشخص الذي وصفه تعالى بما وصفه وجعله منّة على خلقه لا يكون كلّ أحد بل هو المؤمن الخالص الذي باع نفسه لمرضاة الله تعالى ، وقد نصبه سبحانه نورا يهتدى به ومنارا يستضاء منه ، وجعله سبيلا للرّشاد ومرجعا للعباد ، ومن أجلى أفراد هذا الصنف هو عليّ بن أبي طالب (عليهالسلام) الذي ورد فيه عن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ـ قولا وعملا ـ على ما رواه الفريقان : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» وما صدر عن عليّ (عليهالسلام) بالنسبة إلى النبيّ (صلىاللهعليهوآله) كذلك ما يبهر منه العقول ومن سيرة عليّ (عليهالسلام) وأعماله وأقواله التي ورد بعضها في كتاب نهج البلاغة وسائر جهاته التي تكفي أن يعدّ (عليهالسلام) معجزة لنبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) بعد القرآن العظيم. ومن غير ذلك مما هو كثير يعلم علما قطعيا بأنّ هذه الآية الشريفة وما في سياقها ينحصر مصداقها في عليّ (عليهالسلام) وإن كان لجميع أصحاب الرّسول (صلىاللهعليهوآله) مقام رفيع وشأن منيع.