بحث فلسفي
سرّ التفدية وآثارها : لا شك في أنّ أكمل ما في الوجود وأجلّه والساعي إليه جميع الموجودات إنّما هي السعادة الأبدية يطلبها بالفطرة كلّ ذي حياة وشعور ، بل كلّ ممكن موجود ، قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) [الإسراء ـ ٥٤] وهذه السعادة تختلف باختلاف الموجودات وكذلك الطرق المنتهية إليها ، كما تقدّم في أحد المباحث السابقة.
ولكن لا يفوز أحد بالسعادة الحقيقية الأبدية ، ولا يصل إليها إلا بالتقرّب إلى الحقّ جلّ وعلا وإنّ طرق التقرب إليه متعددة ، كما أنّ مراتب التقرب إليه كذلك بل إنّها غير متناهية.
وللمتقرّبين إليه درجات ومنازل حسب تجلّيه عزوجل لهم والإشراقات والجذبات الحاصلة من الأحدية المطلقة لهم بلا فرق بين الأنبياء والأولياء والمؤمنين ، بل مطلق العباد إن كان لهم الاستعداد للاستكمال وترقية النفس.
وأولو العزم من الأنبياء ـ وفي مقدمتهم نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) ـ من أشرف المتقرّبين إليه تعالى ، وإنّهم أول سلسلة التفدية الحقيقية والفداء الخالص لخالق الأرض والسّماء ، ولأجل ذلك حازوا آخر مقامات الفناء فيه جلّت عظمته ، قال تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم ـ ١٠] ، وعنه (صلىاللهعليهوآله) : «أبيت عند ربّي