بحث عرفاني
قد ثبت في الفلسفة العملية وحققه العرفاء الشامخون أنّ أنس النفس بالكليّات يوجب ارتقاءها عن حضيض البهيمية إلى أوج الإنسانية الحقيقية مطلقا فضلا عمّا إذا كانت تلك الكليّات من العالم الغيبي الرّبوبي فتأنس النفس إلى عالم لا حدّ لأية جهة من جهاته لتباعدها حينئذ عن دار الغرور واتصالها بمنبع النور الذي لا يمكن تحديد أشعته بأيّ حدّ من الحدود الإمكانية ، ومرضاة الله تعالى لا تكون إلا من منبع النور ، وتجرّدها بالكلية عن دار الغرور فتشرق على النفس حينئذ أنوار ذلك العالم فتبتهج بما لا تدرك ولا تعلم ، هذا إذا لوحظ ذات تبديل النفس بمرضاة الله جلّت عظمته.
وأما إذا انطبق عليه عنوان آخر فيعظم ذلك بحسب عظم ذلك العنوان وكمال أهميته ، فإذا كانت التفدية مثلا بإزاء حفظ نفس حبيب الله تعالى وصفيّه من خلقه ، وهو مبدأ الإفاضات وغاية خلق المخلوقات ، بل هو صورة إجمالية لنظامي التشريع والتكوين ، فما أعظم هذه التفدية!! فإنّها وقعت بإزاء الجميع في الجميع ، ولا تصل النفس إلى هذه المرتبة ولم تتصدّ لها إلا بعد لياقتها واستعدادها لمثل هذا الفداء ، وإذا كان الله جلّت عظمته يقول في فداء إسماعيل : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات ـ ١٠٧] ، فما ذا ينبغي أن يقول جلّ جلاله في مثل هذا الفداء ، ومنه يعلم عظم المفدّى ـ بالفتح ـ والمفدي ـ بالكسر ـ.