وهذه الآية من الآيات التي تدل على ثبوت مراتب للإيمان ، لأنّه عزوجل جعل موضوع الحكم (الَّذِينَ آمَنُوا) وأمرهم بالدّخول في السّلم.
قوله تعالى : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ).
الخطوات جمع خطوة : وهي تتبع الأثر ، وخطوات الشيطان عبارة عن جميع ما يدعو إلى الباطل والضلال ، وجميع مصائده ومكائده في سبيل الانحراف عن الصراط المستقيم ، وما يدعو إليه الرّب الرّحيم.
وذكره في المقام بيان للمفهوم الالتزامي لصدر الآية الشريفة وقد تقدم ما يتعلق بهذه الآية في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة ـ ١٦٨].
قوله تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
بيان للسبب في النّهي عن اتباع خطوات الشيطان ، وهذا التعليل علّة عقلية له ، فإنّ العاقل ، بل كلّ ذي شعور لا يتبع عدوّه المبين في العداوة ، وقد ذكرت عداوة الشيطان للإنسان في آيات كثيرة من القرآن ، قال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [يوسف ـ ٥] ، وفي بعض الآيات المباركة عدوّ مضل مبين قال تعالى : (إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [القصص ـ ١٥] ، وفي بعضها : (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر ـ ٣٥] ، وقد اهتم القرآن بل جميع الكتب السماوية ببيان عداوته بطرق مختلفة ، لأنّه أساس أنحاء الكفر والنفاق ، والفساد ، وسلب السعادة عن الإنسان ، وقد أقسم بعزّة الله تعالى لإغواء العباد فقال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص ـ ٨٢].
وتنشأ هذه العداوة من أسباب عديدة :
أولا : إنّها ذاتية حيث قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف ـ ١٢] ، ولا أثر للنار إلا إزالة الطّين وتفريقه.
وثانيا : إنّها إرادية إذ لا إرادة له إلا الفساد والضّلال بخلاف المؤمنين