فإنّهم لا يريدون إلا ما أراده الحق تعالى.
وثالثا : دركه لكرامة الإنسان وفضيلته عليه ، قال تعالى ، (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) [الإسراء ـ ٧٠] ، وقال تعالى حكاية عن الشيطان : (أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء ـ ٦٢].
ورابعا : طرده لخبث ذاته عن عالم النّور إلى مهوى الغرور ، قال تعالى : (فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [الأعراف ـ ١٣].
وخامسا : شعوره بأنّه لا حظّ له في دار النّعيم بل انحطاطه إلى أسفل درك من الجحيم بخلاف الإنسان فإنّه يدرك في الجملة أنّ له مقامات عالية إن أطاع ربّه الكريم ، قال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) [الدخان ـ ٥١].
وسادسا : اللعن والطّرد والرجم من الله تعالى والإنسان في كلّ حين وآن ، قال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [ص ـ ٧٨] ، وقال تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر ـ ٣٥].
والعجب من الإنسان مع أنّه يلعن الشيطان لا ينفك عن اقتفاء أثره وتتبع خطواته ، فالآية الكريمة بصدرها وذيلها أجلّ دعوة بأعذب لفظ وأحسن أسلوب للإنسانية الكاملة والتحذير عن المخالفة مع التضمّن للدّليل والبرهان ، خصوصا بعد ملاحظة الآيات اللاحقة.
٢٠٩ ـ قوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ).
الزلة : هي العثرة والاسترسال من غير تعمّد وقصد. أي : فإن أعرضتم عن الدخول في السّلم واتبعتم خطوات الشيطان بعد ما جاءتكم الحجج الواضحات من تشريعاته المباركة وأحكامه المقدّسة ، وبعد ما تبيّن لكم عداوة الشيطان وشقاوته وضلاله وإفساده فلا عذر لكم في الميل عن الحق والإعراض عن الصراط المستقيم.