والتعبير بالزلة وهي ما يصدر من غير عمد والتفات ، للإعلام بأنّ التعمد في التقصير بعد تمامية الحجة مفروض العدم. وفيها كناية عن أنّه لا ينبغي أن يصدر من العاقل ذلك ، والكناية أبلغ من التّصريح في المحاورات.
ولم يذكر عزوجل العقاب مع الزلة لأنّها كالعثرة تكون بلا قصد ، فلا وجه لثبوت العقاب في ما لا قصد فيه ولا اختيار ، نعم ، توعدهم على ذلك.
قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
العزيز : القدير الذي لا يغلب وهو من أسمائه الحسنى ، وقد اطلق عليه تعالى في القرآن الكريم فيما يقرب من ثمانين موردا مع تعقبه غالبا بالحكيم أو الرّحيم أو العليم أو الحميد أو الكريم وغيرها.
ولعل وجه إتباعه بهذه الأسماء الحسنى المقدّسة أنّه يطلق مجرّدا على غيره تعالى كقوله سبحانه : حكاية عن بني يعقوب (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ) [يوسف ـ ٩٠] ، وقال تعالى حكاية عن أخوة يوسف : (قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف ـ ٨٠] ، وقد استعمل في غيره تعالى موصوفا أيضا ، كقوله عزوجل : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) [الدخان ـ ٤٩] ، لكنّه للتهكم.
والحكيم هو الذي يفعل بمقتضى الحكمة.
والمعنى : فإن زللتم عن السّلم واتبعتم خطوات الشيطان فاعلموا أنّ الله تعالى مقتدر غير مغلوب في إنفاذ أمره يفعل فيكم بمقتضى حكمته المتعالية بلا إلجاء.
وفي إتيان حكمته المطلقة المتعالية مع قدرته وعزته للإعلام بأنّ قدرته عزّته مقهورتان تحت حكمته التامة التي هي تنظيم الأشياء على وفق النظام الأحسن الرباني ، وليست هي مرسلة من كلّ جهة حتّى ولو حصل محذور في البين.