وفيه إرشاد للناس بأن لا يعملوا عزتهم وقدرتهم كيف ما شاؤا وأرادوا من دون فكر وروية ، بل لا بد من تطبيقها على النظام العقلي والشرعي ، وإلا فقد يكون وبالا على العزيز القادر ، وقد وردت في السنة الشريفة أحاديث كثيرة في ذلك.
وقد ذكر تبارك وتعالى العزة والحكمة في المقام للإشارة إلى مكان العفو والغفران ، إذ القدرة على الانتقام شيء ، والانتقام الفعلي المنجز شيء آخر كما هو معلوم لكلّ من تدبر.
ومن ذلك يعلم أنّ في الآية روعة الأسلوب في بيان المعنى المقصود وتقدم الوجه في أمثال قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا) وذكرنا أنّ هذا التعبير أشد في التذكير والعتاب.
٢١٠ ـ قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ).
بيان لقوله تعالى : (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المتضمّن للتوعيد فيكون احتجاجا آخر لعلّ الناس يرتدعون به عن العناد واللجاج ويتركون متابعة الشيطان ، ويدخلون في الصّراط المستقيم بأحسن أسلوب في بيان الحجة.
وقد تغيّر فيه الخطاب من الناس إلى خطاب الرسول (صلىاللهعليهوآله) كما أنّه اختلف فيه الأسلوب ففيه الالتفات من الخطاب إلى الغيبة للإيهام بأنّ من يزل عن الصراط المستقيم غير لائق بالخطاب وللإعلام بأنّ الأمة قد يتغيّر حالهم ويزلّون عن الطريق المستقيم ويقع فيهم الاختلاف والتفرّق ، فيشملهم ما أوعده الله تعالى في هذه الآية المباركة.
والاستفهام إنكاري بمعنى النفي.
ومادة (نظر) تدل على الطلب لإدراك الشيء ، وهو الجامع القريب بين جميع استعمالاتها الكثيرة ، سواء كان بالبصر ، أم البصيرة ، أم كان بمعنى الانتظار والإمهال ، لأنّ فيهما يطلب وقوع الشيء بعد ذلك. نعم ، إذا استعملت بالنسبة إلى الله عزوجل كما في قوله تعالى : (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ