والمعنى : إنّ هؤلاء بني إسرائيل قد آتاهم الله الآيات البينات التي تهديهم إلى الحق ، وتوضح لهم طريق السعادة ، وترشدهم إلى سبيل الرشاد. فاسألهم أيّها الرسول الكريم كم آتيناهم من آية بينة فأنكروها وكذّبوها فعاقبهم الله تعالى أشد العقاب وعذّبهم بسوء العذاب ، فاعتبروا بحالهم وما آل إليه أمرهم من سوء العاقبة وذهاب الملك والنبوة عنهم.
وفي السؤال تقريع وتوبيخ لهم بما صدر عنهم من الطغيان والكفران بعد ما أنعم الله عليهم بأنواع النّعم والإحسان.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
بيان لسنة الله تعالى في خلقه وتطبيق للكلّي أي ومن يغيّر نعمة الله تعالى بالكفران والجحود ويضعها غير موضعها بعد ما جاءته من الآيات البينات التي أرسلها الله لتكون سببا في سعادته فإنّ الله تعالى يعاقبه بأشد العذاب ، والله شديد العقاب ، لأنّه يرجع إلى وجوب شكر المنعم الذي هو أصل جميع الكمالات الإنسانية ودرك المعارف الربوبية ، فشدة العقاب إنّما هي أمر وضعي يترتب على من رضي بالذّل والهوان ، والهمّ والخسران ، وقد عاقب نفسه بنفسه فحصلت له الندامة العظمى ، قال تعالى : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل ـ ١١٨].
وفي الآية الشريفة تهديد وتوعيد لمن يتعدّى حدود ما أنزله الله تعالى ، وبيان لسنته الجارية في خلقه ، وتقدم في الآيات السابقة نظير هذه الآية.
وقد نسب سبحانه العقاب إلى نفسه في المقام وغيره مع أنّ الفعل منسوب إلى العبد بسبب سوء أعماله ، ولكن نسبته إلى العبد بنسبة العلة الفاعلية ، وأما جزاء الفعل فإنّه منسوب إليه بنسبة العلّة الغائية وليس من الله تعالى إلا جعل القانون وبيان الجزاء على الموافقة والمخالفة وهو داخل في باب الإرشاد ، وقد رجحنا في أصول الفقه تبعا للمحققين أنّ الأوامر والنّواهي في التشريعيات إنّما هي إرشاد إلى المصالح اللازمة الدرك أو المفاسد اللازمة