الدفع ، وبعد ذلك يحكم العقل باللزوم.
فالآية المباركة تبيّن حكما من الأحكام المستقلّة العقلية ، وهو وجوب شكر المنعم ، وقد ابتنى الفلاسفة جملة من المسائل العلمية عليه.
٢١٢ ـ قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا).
الزينة معروفة ، وهي إما نفسانية كالعلوم والمعارف الحقة ، أو بدنية كالجمال ونحوه. أو خارجية كالمال والجاه ونحوهما. والقسم الأول إمّا دنيوية أو دنيوية واخروية معا ، كالمعارف الحقة والاعتقادات الحسنة والأخلاق الفاضلة. وبالجملة الزينة إما واقعية حقيقية ، أو وهمية خيالية التي هي ما سوى ما ينفع في الآخرة.
ثم إنّ الزينة المستعملة في القرآن الكريم تارة : تنسب إلى الله تعالى قال سبحانه وتعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات ـ ٧] ، وأخرى : إلى الشيطان قال تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام ـ ٤٢] ، وثالثة : تستعمل من دون أن تنسب إلى أحد قال تعالى : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) [الرعد ـ ٣٣].
والآية في موضع التعليل لما تقدم في الآيات ، وذلك أنّ السبب في الزّلل وعدم الدّخول في السّلم وتغيير نعم الله تعالى والجحود بآياته عزوجل إنّما هو تزيين الحياة الدّنيا وحبها هو الذي رأس كلّ خطيئة كما في الحديث وهذه قضية وجدانية ، وذلك لأنّ كلّ إنسان محفوف بالشهوات الكامنة فيه التي خلقها الله تعالى لحفظ النظام الأحسن فإذا كان معتقدا بالمبدأ والمعاد يكون مانعا من أن يتابع شهوات النفس ويعمل بها ، وكلّ ما قوي هذا الاعتقاد يضعف المقتضي عن الفعلية حتّى يصل إلى مرتبة ينعدم الرادع والمانع فيصير المقتضي علّة تامة للغواية ، وكذا بالعكس وحينئذ يكون حب الدنيا وزينتها سببا في صرف النفس عما يوجب كمالها ، والإعراض عما يؤثر في إصلاحها وتهذيبها فلا يعمل إلا ما ترتضيه نفسه وهواه ولا يكون همه إلا إعمال شهواته ، وتكون الدنيا أكبر همّه فلا تنفع فيه النذر والزواجر ، ولا يؤثر فيه ما أنزله الله