من الآيات البينات.
ومن ذلك يعلم أنّ الأمر لا يختص بالكافرين ، بل يشمل كل من جرى فيه ما ذكرناه ، فتشمل الآية الشريفة كل من بدّل النعيم الأبدي والسعادة الدائمة بالزخرف العاجل الفاني من المسلمين وغيرهم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم بل ربما كان العقاب فيهم أشد لتمامية الحجة عليهم بعد الاعتقاد بالإسلام ومعارفه.
وتزيين الدنيا إمّا أن يكون من الشيطان وميل النفس الأمّارة إليها كما في قوله تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الأنفال ـ ٤٨] ، وقوله جل شأنه : (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النحل ـ ٦٢] ، وقوله تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) [النمل ـ ٢٤] ، أو يكون قد زينها الله تعالى للناس لأجل الامتحان وابتلائهم كما في قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف ـ ٧] ، وفي هذه الصورة إن وقعت الدّنيا وزينتها في طريق اكتساب المعارف الإلهية والكمالات الإنسانية وتهذيب النفس وإصلاحها فهي ممدوحة من كلّ جهة ، بل هي الآخرة بنفسها. وأما إذا لم تكن كذلك بل كانت صارفة عنها ومضيّعة لها فهي الدّنيا المذمومة ، وبذلك يجمع ما ورد في السنة المقدّسة من ذم الدنيا وما ورد في مدحها فتحمل الذامة على الثانية والمادحة على الأولى.
قوله تعالى : (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا).
مادة (سخر) تستعمل لإعمال الغرض المقصود قهرا فإن كان استخفافا بالطّرف واستهزاء بالنسبة إليه تسمّى سخرية ، وإن كان لغرض آخر من الأغراض الصحيحة تسمّى تسخيرا. ولهذه المادة استعمالات كثيرة بهيئات مختلفة في القرآن الكريم ، قال تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) [الحجرات