ـ ١١] ، وقال تعالى : (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) [الزخرف ـ ٤٢] ، وقال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الجاثية ـ ١٣].
والمعنى : ويسخر الكافرون من الذين آمنوا. والأسباب لذلك كثيرة فإما أن يكون لأجل الزهد في الدنيا والإعراض عن ملاذها وفقرهم فيها ، أو لأجل تحملهم الشدائد والمصائب في جنب الله تعالى ، أو لأجل إيمانهم ، أو غير ذلك. وسخرية من زيّن له شيء ورآه حسنا ممن ليس على طريقته أمر فطري في الجملة فأهل الدنيا يسخرون من أهل الآخرة ، قال تعالى : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ) [هود ـ ٣٨].
وسخرية أهل الباطل لأهل الحق من مظاهر الصراع القديم بين الحق والباطل ، والآية في مقام ذم سخرية المؤمنين وقد أجمل سبحانه الذمّ كما أجمل مدح فوقية المتقين على الكافرين ليشمل جميع مراتب المدح والذم ، لأنّ لكلّ منهما مراتب بل مراتب الفوقية غير متناهية.
قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
بيان لحال المؤمنين في نعيم الآخرة وأنّهم فوق الكافرين يوم القيامة جزاء لاستعلاء الكافرين عليهم في الدنيا والسخرية منهم.
ولم يذكر سبحانه وتعالى جزاء سخرية الكفار في الدنيا واكتفى جلّت عظمته بأنّهم فوقهم يوم القيامة لأجل تعليم أهل الإيمان بأنّ خسة الطرف تمنع عن مجازاة المؤمن له ، بل ينبغي له أن يكون ممن مدحه الله تعالى بقوله جلّت عظمته : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان ـ ٧٢] ، وقوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان ـ ٦٣].
وإنّما عبّر سبحانه ب (الَّذِينَ اتَّقَوْا) وأثبت الفوقية لهم دون سائر المؤمنين لبيان أنّ التقوى هي الأصل في الوصول إلى الدرجات العالية ، وإشارة إلى أنّ المقصود من الإيمان إنّما هو التّقوى لا مجرّد القول باللسان بلا عمل من الجوارح والأركان.