بحث تاريخي
تقدم أنّ الصوم من أهمّ الوسائل التي يلتمس بها العبد التقرب إلى خالقه ، وأعظم السبل في تحلية النفس بالفضائل وتخليتها عن الرذائل وأنّه أول ما يمكن أن يصدر من الحبيب في لقاء حبيبه بالتنزه عما تشتهيه النفس من المستلذات ، فهو من الخير الذي أمرنا الله تعالى بالاستباق إليه ولأجل ذلك وغيره مما هو كثير كتبه الله على الأمم السابقة ، بل هو محبوب لدى جميع الأمم حتى الوثنية منها فلم يخل منه دين من الأديان سواء السماوية منها أم الوضعية ، فقد يظهر من بعض الروايات أنّ المجوس كان لهم صوم ، وأنّ الصيامية نحلة منهم تجردوا للعبادة وأمسكوا عن الطيبات من الرزق ، وعن النكاح والذبح على ما هو المقرر عندهم وتوجهوا في عبادتهم للنيران.
وأما اليهود فالصوم عندهم هو الإمساك عن الأكل والشرب ولم يفرض عليهم إلا صوم يوم واحد ، كما ورد في عهد [اللاويين ١٦ / ٢٩] وكان اليهود يصومون بعد ذلك أياما في مناسبات. وكانوا في ذلك اليوم يلبسون المسوح ، وينثرون الرماد على رؤوسهم ، ويصرخون ويتضرعون ويتركون أيديهم غير مغسولة إلى غير ذلك من العقائد التي كانت عندهم في الصوم ، وكان اليوم هو يوم التكفير أي : اليوم العاشر من الشهر السابع ، كما في سفر اللاويين ، وفيه يحاول اليهودي التشبه بالملاك ، وهذا اليوم يسبق بتسعة أيام تسمى ب (أيام التوبة) حيث يطهرون خلالها تطهيرا يكفل لهم النقاء في خلال العام القادم ، والصوم عندهم يكون من