بحث فلسفي
لقد ثبت في علمي الفلسفة والكلام بالأدلة القطعية أنّ الله تعالى منزّه عن الجسم وصفات الأجسام ، ولذا ذكر العلماء أنّ ما ورد في الكتاب والسنة مما ينسب إليه تعالى صفة من صفات الأجسام لا بد من تأويله بما يليق بذاته المقدّسة.
وذلك : لأنّ ما أثبته محققوا الفلاسفة قديما وحديثا في درك حقائق الأشياء إنّما هو كشف الآثار والخواص بحسب القدرة والطاقة. وأما كشف حقائقها والوصول إلى كنهها فإنّه يصعب جدّا لو لم يكن مستحيلا ، فمثلا أقرب الأشياء إلى الإنسان إنّما هو النفس الناطقة التي تحيط بالبدن كإحاطة المدبّر الآمر بالمأمور المطيع المنقاد ، وقد اجتهد العلماء منذ القدم في الفوز بحقيقتها وكشف النقاب عن هذا السّر المكنون ولكنّهم لم يظفروا باللّقيا ، واعترفوا بالعجز والقصور ولم يصلوا إلى حقيقة هذا الغيب المحجوب هذا بالنسبة إلى الممكن المخلوق الضعيف ومثله كثير.
أما بالنسبة إلى الخالق العظيم اللطيف فلا يمكن الإحاطة بذاته وكنه صفاته ، ولا حقيقة أفعاله ، ومع ذلك هو داخل في مخلوقاته لا دخول صفة. وخارج عنها لا خروج عزلة ، فسبحان من لا يتناهى جلاله ، ولا يدرك جماله ، ولا يعلم أفعاله.